
مع خيوط الفجر الأولى، ينطلق “منهل ماجد كمال”، المعروف بـ “أبو طاهر”، من منزله المتواضع في مدينة صلخد على دراجته النارية، يجرّ خلفه عربةً متواضعة محمّلة بصناديق الخضار. تبدأ رحلته اليومية من سوق الجملة، مروراً بأزقة المدينة الضيقة، حيث ينتظره زبائنه المعتادون، ليعرض بضاعته ويسعى لكسب رزقٙ حلالٍ لعائلته.
رحلة كفاحٍ يوميةٍ
يحمل أبو طاهر على عاتقه مسؤولية تأمين لقمةِ العيشِ في ظلِّ ظروفٍ اقتصاديّةٍ صعبةٍ، ويشكّل بحكايته نموذجاً حيّاً لصمودٍ كثيرين في محافظة السويداء.
ينحدر منهل من بلدة الحريسة في الريفِ الجنوبيِّ الشرقيِّ من المحافظة، ويقيم حالياً في منزلٍ مستأجرٍ بمدينة صلخد، مع زوجته وأبنائه الثلاثة؛ اثنان من الذكور وطفلةٌ. الابن الأكبر في الصفِّ الثالثِ الثانويِّ، والثاني في الصفِّ التاسعِ، ويحرص الأب على تأمين تعليمٍ جيّدٍ لهم رغم كلّ التحدّياتِ.
من المزرعةِ إلى العربةِ
قبل سنواتٍ، اضطرّ منهل لمغادرةِ قريته بسببِ وعورةِ الطرقِ وصعوبةِ المعيشةِ، فاستقرَّ في المدينةِ بحثاً عن حياةٍ أكثرَ استقراراً. لكنه واجه تحدّياتٍ جديدةً؛ فدراجته بالكاد تستطيع جرَّ عربته المثقلةِ، والطرقات مليئةٌ بالحفرِ، ورأس مالٍ لا يكفي لشراءِ الخضارِ نقداً. لذا، يعتمد على نظامِ “الدَّينِ” مع أحدِ التجارِ الذي يثق بأمانته.
رسالةٌ إنسانيّةٌ وإصرارٌ لا يلينُ
في حديثه لـلراصد، يقول أبو طاهر:
“هدفي أن أربي أولادي تربيةً صالحةً، وأترك لهم ذكرى طيبةً. أعمل من الفجر لأجلهم، وأتمنى من الله الصحةَ لأواصل طريقي دون تقصيرٍ.”
ويضيف:
“لم تكن التجارةُ مهنتي، فقد كنت مزارعاً. لكن غلاء التكاليفِ وانعدام الدعمِ دفعاني لهجرِ الأرضِ. اليوم، أمسكت بمقودِ الدراجةِ بدلاً من محراثِ الحقلِ، وها أنا أواجه الشمسَ ومشاقَّ الطريقِ لأجل أولادي.”
بطلٌ يوميٌّ في زحامِ الحياةِ
كلَّ يومٍ، ومع عودته عند الظهيرةِ، ينظر أبو طاهر إلى أبنائه وهم يدرسون، فتمحى مشقاته أمام هذا المشهدِ.
في غرفةٍ صغيرةٍ بمدينةِ صلخد، يُصنع البطلُ الحقيقيُّ؛ رجلٌ بسيطٌ، لكنه يحمل من العزيمةِ ما يجعل قصته درساً في الإرادة والإيمان بالمسؤوليةِ.