رأي

“ميت ما بشيل ميت”، هل يقيل الفاسد فاسداً؟!

مقال “رأي”

يعرف معظم السوريين مثلاً شائعاً يقول “ميّت ما بشيل ميّت”، يبدو المثل البديهيات التي لاتحتاج لأمثال كي تقاس عليها، إلّا أنه ككل الأمثال، يُقصد به الرمزية وليست الدلالة الحرفية، فكلّنا يعرف أن الميّت لايمكنه أن يفعل شيئاً، فلماذا الأمثال إذاً؟! على الرغم من وضوح المثل، إلا أنه في سوريا تحاول السلطة الحاكمة جعل الناس تصدّق أن “الميّت بشيل ميّت” ويبدو هذا واضحاً في ملف مكافحة الفساد، حيث تزف لنا شبكات الأخبار الوطنية والمحلية يومياً أخباراً عن توقيف حارس بئر هنا، أو موظّف درجة رابعة هناك، مؤكّدة أن عجلة مكافحة الفساد بدأت بالفعل ولا يمكن إيقافها، “العجلة التي ينبغي على من يمتلك ذاكرة أن يتذكر أنها كانت قد انطلقت منذ عام ٢٠٠٠، ولكن يبدو أنها كانت مربعة فلم تتحرك” وفي البحث عن الأشخاص الذين طالتهم يد مكافحة الفساد، نجد أن معظمهم لم يقم بفساده إلّا بعد أخذ الضوء الأخضر من أشخاص أعلى منه مرتبة أو سلطة، وفي مرّات عدة يقوم أحد أصحاب الضوء الأخضر شخصياً بمكافحة الفساد..ليصبح السؤال هنا، كيف يمكن لفاسد أن يقيل فاسد؟!ليس خافياً على أحد أن منظومة الفساد في سوريا هي نفسها من ترعى عملية مكافحة الفساد، وبالتالي تم تقسيم الفساد إلى قسمين فساد حلال وفساد حرام، وصار عنوان الإصلاح هو محاربة الفساد “الحرام”، وهكذا تبدو الحركة الإصلاحية جادة في توقيف “شبكات”، ولكن غالباً تظهر هذه الشبكات بدون رؤوس، لأن المنظومة الفاسدة لا يمكن أن تزيل نفسها، بل تحتاج لمنظومة أخرى كي تزيلها، وأقصى درجات مكافحة الفساد ضمن أي منظومة فاسدة هي أن يقوم حيتان الفساد بابتلاع أسماك الفساد فقط لا غير…فسوريا الشهيرة بحوادث انتحار المسؤولين في مكاتبهم، هي كذلك شهيرة ب”فضح” الفاسدين بعد مغادرة السلطة، وهذه أيضاً بعض إرهاصات الفساد في سوريا. وبشكل عام فإنه من السذاجة اعتبار مشروع مكافحة الفساد الذي تم إطلاقه منذ عام ٢٠٠٠ لايزال في خطوته الأولى بحجّة أنه يحتاج إلى وقت، والمسألة عملية تراكمية تحتاج لجهد مضاعف حسب التصريحات الإنشائية لأركان السلطة، لا مبرر للتأخر بمكافحة الفساد إلّا عدم الرغبة بهذا، فالمنظومة الحاكمة تقف على قدمين “ثابتتين، راسختين” هما الفساد والاستبداد، ما إن قُطعت إحداهما حتى سقطت المنظومة كاملة، ما يعني بالضرورة أن هذا الجسم سيحمي قدميه، لذلك فإنه سيدافع عن الفساد ولن يكافحه، كما يدافع عن الاستبداد تماماً، وهو لن يكافح الفساد بجدية إلّا لحظة أن ينوي الانتحار!!وفي ملف الفساد نفسه، جاء قانون قيصر ليجعل عجلة الفساد تتسارع وتتضخم، وبالتالي طال الفساد كل شيء، ولم يعد يكترث المسؤول لمعاناة الناس، سيما أنه سيحيل هذه المعاناة لقانون قيصر، وبالتالي ازدادت السرقات التي لا يسأل عنها أحد، وكلما قلنا أين المال، قالوا “قيصر” سرقنا… وهكذا فإنه، وعودة إلى المثل “ميّت ما بشيل ميّت”، فإن “فاسد ما بقيل فاسد”، وإن معظم من تتم محاسبتهم هو من المدفوعين للفساد من خلال تفقيرهم الممنهج، أو توريطهم بعمليات فساد ضمن ما وصفه سابقاً الفيلسوف السوري “الطيب تيزيني” في تنظيره عن الدولة الأمنية، التي قال عنها حينها بأنها “سعي لإفساد من لم يُفسد ليصبح الجميع مداناً تحت الطلب”، وفق “الطيب” ليس التفقير فقط ممنهجاً، بل كذلك الإفساد، فالسلطة الديكتاتورية التي تريد كم الأفواه، أحوج ماتكون لشعب فاسد، فكلما نبس مواطن ببنت شفة أخرجوا له ملف فساد من الأدراج، وبالتالي تنجح السلطة الديكتاتورية في حكمها، كلما ازداد عدد الفاسدين…ومن هنا يظهر الفساد حاجة من حاجات السلطة الحاكمة، وكلمة سر بقائها، ومخرجها ومنقذها وحاملها، فكيف يمكن لها أن تحاربه؟! لذلك لايمكن لشخص أن يعتقد أنها ستكافح الفساد إلا إذا كان ساذجاً يعتقد أن “الميّت بشيل ميّت”، أو أعمى يلا يقرأ سياق خمسين عام من اللصوصية…وفي هذا الإطار وبسياق منفضل، يمكن القول أن حالة أخرى تصح على مثل “ميّت ما بشيل ميّت” وهي أنه من الواضح أن تعميماً من القيادات البعثية تم إرساله إلى جميع القرى لإجبار الناس على التبرع من أجل دعم مشاريع الطاقة البديلة وربط الآبار بالخطوط المعفية من التقنين، ولكن المواطن السوري، بما في ذلك المغترب، منهمك فعلاً بتقديم المساعدات لأكثر شعب منكوب على وجه المعمورة، وبالتالي هو غير قادر على التبرع لمساعدة دولة يصنَّف قادتها من أغنياء العالم، ومع ذلك يتم الضغط على المتبرعين بطريقة فيها الكثير من الفجاجة من أجل دفعهم للتبرع لصالح مشاريع محلية هي جزء من مؤسسات رابحة تقوم بالجباية لصالح خزينة الدولة، الدولة التي تعجز عن زيادة الرواتب لموظّفيها، بل على العكس تطالبهم بدعمها، وقد نكتشف قريباً أن هذا الملف أيضاً أحد أخطر ملفات الفساد في بلادنا “الميتة” التي تنهشها الضباع…

الصورة من الانترنت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى