اخباررأي

عمالة الأطفال، مخاطر متزايدة لواقع مأزوم!!

تنتشر ظاهرة عمالة الأطفال في البلدان التي تعاني اضطرابات أمنية و تشهد أوضاعاً اقتصادية واجتماعية وتعليمية متهالكة.
وتنقسم الآراء حول هذه الظاهرة إلى اتجاهين، الأول يرفض كل عمل يحمل الطفل/ة عبئاً ثقيلاً ويهدد سلامة وصحة ورفاهية الطفل أو الطفلة ويحول دون القدرة على التعليم وتطوير القدرات ويستنزف الطاقة، فيما يعتبر آخرون أن عمل الأطفال في سن مبكرة، ينعكس على النمو العقلي والجسدي؛ ويساعد في تطوير حسي المسؤولية والانتماء، ولكن ماذا لو قررنا أن نفصل ونحاكم منطقياً بين الرأيين؟

وفق العديد من الدراسات المختصة فإن سوق العمل لا يشكل فرصة أمام الأطفال، لعدة أسباب لها اتصال بالبنيتين الجسدية والفكرية للطفل، لذلك فإن عمالة الأطفال غير مرحب بها بطبيعة الحال، ومواجهتها والسعي للحدّ منها والقضاء عليها واجب إنساني لما تحمله من أثار سلبية على الطفل ومستقبله، تبدأ من حاضر محروم من حقّ عيش مرحلة الطفولة وحق بالتعليم، و يتخللها التعرض للمخاطر الصحية والنفسية كالأمراض المهنية وإصابات العمل واكتساب عادات سيئة، كما أن احتمالية التعرض لانتهاكات فهي كبيرة كالشتم والاعتداء الجسدي والجنسي، وما لذلك من تأثير على حياة الطفل أو الطفلة والصحة النفسية لهم/ن نتيجة الإحساس بالقهر، وبالتالي اختلال حالة التوازن الاجتماعي والعلاقات الإنسانية والتفاعلات مع المجتمع.

وفي المواثيق الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، تعرف عمالة الأطفال، بأنها: (كل عمل يشكل عبئاً ثقيلاً على الأطفال دون الحد الأدنى للسن المصنف عالمياً، وتعرض حياتهم/ن للخطر، ويحرمهم/ن من التعليم أو يحملهم/ن العبء المزدوج المتمثل في الدراسة والعمل، ما يعد انتهاك للقانون الدولي والتشريعات الخاصة بذلك).

وقد لا يعدو التطرق لمثل هذه الظاهرة في مجتمعنا أكثر من هذرٍ في عين الكثيرين من المتهالكين اقتصادياً، والذين لا يعطون أهمية لمثل هذه المواضيع، وليس من قبيل الإسفاف ولكن من قبيل التمرد على حقيقة لايشكل الواقع الراهن فيها سوى الرائز الأكبر لها في ظل نظام حكومي لا يعنى بمكافحة مثل هذه الظاهرة كي لايثير العامة عليه، لأنه المسؤول الأول عن الفقر والجهل الذي يمهد لظاهرة عمالة الأطفال ويثبت أركانها، ولكن هل من المفروض أن نستسلم ونقف عند ذلك مكتوفي الأيدي؟.

دفعتنا محاولة قراءة واقع عمالة الأطفال في سوريا إلى البحث عن نسب وإحصائيات عن عدد الأطفال العاملين، و نتيجة صعوبة الوصول إلى إحصائيات رسمية لذلك، وبالبحث والتقصي عن الموضوع الذي شغلنا كفريق لأشهر متخذين من محافظات دمشق ودرعا وطرطوس والسويداء عينة عن الوضع في سوريا، بمساعدة زملاء من تلك المحافظات، وبعد المقارنة بمعلومات تفيد بأعداد الأطفال المسجلين في السجلات المدنية في هذه المحافظات، خلصنا إلى انخراط ما يزيد عن ال 30 ألف من الأطفال بين سن 12 و18 في سوق العمل.

هذه النسب والأرقام تبدو جداً خطرة، حيث تنحو نحو الازدياد وليس التقلص في ظل التقصير الحكومي المتزايد أيضاً، ما ينذر باتساع رقعة الكارثة لتمتد لأطفال جدد، وبخاصة أن المستوى الثقافي بدأ بالتدني مع تقادم الحرب السورية التي قد يظنها البعض انتهت لكنها في الحقيقة قائمة بأدوات أشد أبرزها التجهيل.

ولا تكمن الخطورة فقط بازدياد أعداد الأطفال المستغلين بالعمل، بل الأخطر في الموضوع هو احتمال تعرض عدد لايستهان به من هؤلاء لاستغلال يتعدى الاستغلال العضلي والإجهاد الفكري للاستغلال الجنسي والإجهاد النفسي والتعرض لإصابات العمل، وهذا يزداد تدريجياً في ظل غياب القانون وانعدام الرقابة الحكومية والاجتماعية في أماكن العمل، عدا عن غياب قوانين الحماية والتعويضات والتأمينات.

ليس المراد هنا توصيف ظاهرة عمالة الأطفال لاستعراض موضوع تستعرضه جهات كثيرة لغاية الاستعراض فحسب، بل نهدف للتفكير في ما ينهي مأساة حقيقية تتمدد وتنتشر ولنكون فاعلين في إحداث تدخل عملي يساهم في الحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها. ولكن ماهي السبل؟

يتفق خبراء قانونيون ونفسيون واقتصاديون، على إن أولى السبل وضع دراسات للقضاء على الأسباب المؤدية لعمالة الأطفال من خلال رؤى علاج يساهم في الحد منها ثم القضاء عليها، بالتزامن مع العمل على تفعيل جهات قانونية رقابية على انتهاكات قوانين العمالة والمواثيق والمعايير الدولية ذات الشأن، ووضع آليات قضائية لذلك.

كما يرى الخبراء إن من واجب المجتمع المدني القيام بحملات ضغط ومناصرة لتحديث وتجديد تشريعات مختصة بمكافحة الظاهرة، مع التزام الإعلام بالتطرق لها ولمخاطرها،وطرح سبل علاجها، وتوعية المجتمع وتشكيل رأي عام حول الظاهرة وخطورتها على مستقبل الأجيال والبلاد، والمساهمة بتثقيف وصقل معارف المجتمع حول حقوق الطفل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى