رأي

دور المجتمع المدني “الجماعة من أجل الفرد”!!

عانت سوريا منذ عقود من محاربة كبيرة لدور المجتمع المدني في المجتمع، فلم يكن غريباً أو مستهجناً على سبيل المثال أن يجن جنون الأجهزة الأمنية إذا قامت مجموعة أهلية بتنظيف شارع أو زرع أشجار دون تنسيق معها وأخذ الموافقة، فعبر عقود من الزمن كان كل عمل جماعي غير مرتبط بحزب البعث هو عمل مرفوض وتدور حوله الشبهات الأمنية، وهكذا حاربت سياسة البعث الأمنية العمل الجماعي والذي في مواقع كثيرة يتقاطع مع جوهر الإشتراكية التي يدعو لها البعث نفسه، ومن هنا كان التعليق الدائم من الساخرين بأن البعث يحب “الاشتراكية الأمنية” تعاونوا على أهلكم لا من أجل أهلكم..

ومع ذلك ففي تاريخ السويداء محطات كثيرة تؤكد أن المجتمع المدني قام ببعض الأدوار تاريخياً وهذا بسبب طبيعة المجتمع التعاونية، وحاول المجتمع أن يفلت من القوانين النقابية وقوانين الجمعيات ليؤسس “هياكل” مدنية في كثير من الأحيان، فظهر على سبيل المثال التجمع الأدبي الذي كان علامة فارقة في تاريخ التجمعات ربما في سوريا، في حين كان عدد من أفراد المجتمع يدرك بأن عدم تبلور المجتمع المدني في أجسام لاينقص من قيمته شيء، فالعمل المدني هو ثقافة وليس هياكل فحسب، وبين الحين والآخر ظهرت مجموعات هنا وهناك، ولربما أبرز المناطق الذي شهدت عملاً مدنياً كانت قرية مردك على سبيل المثال..

منذ عام 2011 اختلفت الأمور قليلاً وبدأت تتشكل “منظمات” العمل المدني، والتي طالتها في كثير من الأحيان سهام المعارضين لها بوصفها تميع القضايا وتبعدها عن جوهرها السياسي، أو بأنها مرتبطة بأجندات أو بأن جوهرها يعتمد على تحييد الشباب عن الفعل الثوري الهادف للتغيير واغراقه في عناوين ليست ذات قيمة.

ولكن المجتمع المدني البعيد عن المنظمات ظل حاضراً بقوة من خلال الجلسات الجماعية وحلقات النقاش ودعم التعاون والعمل الجماعي والأنشطة الإغاثية وغيرها.

في حين حمل الكثير من المفكرين السوريين لواء العمل المدني “المجتمع المدني” بوصفه الحامل الأسمى للتغيير، بل ذهب بعضهم لاعتبار أنه الحامل الأوحد لهذا التغيير، وقد استند كثر منهم على فكرة أن العمل المدني هو وليد نزوع الفرد للاهتمام بقضايا الآخرين، والابتعاد عن التفاهة الناتجة عن إدارة الظهر للمجتمع، فمشاركة المجتمع همومه وحاجياته وأهدافه هو العنوان الأكثر قدرة على صناعة التغيير.

في المقابل يقع بعض المنظرين في فخ اعتبار العمل المدني بعيداً عن السياسة، في مغالطة لا تدرك أن السياسة تدخل في كل شيء وإنما أريد للعمل المدني أن لا يكون تابعاً لحزب سياسي أو جماعة دينية، فيتحول بذلك لنشاط سياسي.

وفي هذا السياق يجد كثر هذه الشعرة بين السياسي والمدني هي مركز قوة العمل المدني فالمجتمع المدني يحمل على ظهره المجتمع لا الأحزاب، القيّم لا الدين ويجعلهم بوصلة له في التغيير..

ومن النافلة القول بأن العمل النقابي الذي سلب من طبيعته المدنية في سوريا هو واحد من أهم روافع العمل المدني في الدول، لذلك يبدو التجمع المهني في السويداء على سبيل المثال تمظهراً بارزاً لدور المجتمع المدني في التغيير، وفي هذا السياق كان قد ظهر منذ نحو عامين تجمع سائقي العمومي في السويداء الذي يعتبر تجربة رائدة على مستوى المحافظة في تشكيل التجمعات، والذي لعب دوراً هاماً في تنظيم احتجاجات واضرابات للسائقين آنذاك.

ومن هنا ولتبسيط الأمر “بالرغم من تداخلاته” يمكن النظر للمجتمع المدني من زاوية “الابتعاد عن الأجندات ، العمل الجماعي، ادارك هموم المجتمع” لندرك بأنه الأصل والجوهر في التغيير في كل زمان ومكان، تغيير يبدأ من الجماعة ليطال الفرد، مع احترام أهمية المقولة التي تقول على الفرد أن يبدأ من نفسه، ولكنها مقولة لاتقال في دعم التغيير، ولها مقام آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى