اخبار

العمل المدني في السويداء منذ 2011، حماس حركته السياسة!!

شكلت انتفاضة السويداء التي انطلقت منتصف شهر آب 2023 نقلة نوعية وحدثاً مفصلياً في الحياة العامة لمحافظة #السويداء، رافقه تطور في سياق الحراك السلمي على المستوى التنظيمي وتطور المشهد ليتجه نحو تفعيل قوى مدنية قديمة واستحداث أخرى جديدة.

و لا يمكن الحديث عما نتج عن حراك السويداء الشعبي الحالي دون الأخذ بالاعتبار التراكمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة على الساحة السورية عموماً وساحة المحافظة بشكل خاص منذ انطلاقة الاحتجاجات السورية قبل 13 عاماً وتعامل السلطات الأمنية معها بطريقة القمع والتنكيل.

المحافظة التي لم تتجاهل مأساة الشعب السوري ومعاناته وحراكه الثوري، وصفت بأنها نأت بنفسها عن العسكرة في حين شارك العديد من أبنائها بداية الحراك السوري بمظاهرات واعتصامات سلمية قادها المجتمع المدني كاعتصام الشموع الذي نُظّم في آذار 2011 حداداً على الضحايا المدنيين الذين سقطوا بنيران السلطات الأمنية، لتنطلق فيما بعد تظاهرات نظمها ناشطون وناشطات  في مدينتي شهبا والسويداء ثم في مدينة صلخد وبلدة القريا، هؤلاء الذين استخدمت معهم السلطات الأمنية نوعاً آخر من القمع والاعتقال طالهم/ن عن طريق أذرعها من أبناء المحافظة وما أطلق عليهم فيما بعد “الشبيحة”.

ومع اتباع السلطة في السويداء سياسة التخويف والتخوين وتحريض العامة على من أطلقت عليهم صفات “المخربين والعملاء والخونة، و….”، بالإضافة لبناء تشكيلات عسكرية وأمنية مسلحة لاتخلو من أصحاب الجنح والجنايات والبسطاء، واستطاعت تكريس العنف وتغذية الخوف في نفوس أبناء المحافظة. الأمر الذي حدا بالشبان المنتفضين في السويداء للاتجاه للعمل الإغاثي المدني للمحافظات والمناطق المنكوبة وللوافدين إلى المحافظة ولم يقتصر العمل الإغاثي في هذا الإطار على قضايا الإسكان وتأمين مستلزمات الحياة بل تعداه للجانب التعليمي والصحي. لتكون هذه الخطوة من أبرز مظاهر العمل المدني في السويداء إبان الأحداث الجارية في البلاد والتي دفع بعض ناشطوها حياتهم ثمناً بين معتقلٍ وقتيلٍ على يد أجهزة الاستخبارات السورية، ومن أبرزهم صلاح صادق ومأمون نوفل وناصر بندق ورامي الهناوي ومروان الحاصباني وآخرين.

ومن المفارقة في الأمر أن السلطات السورية حاربت العمل المدني لرغبتها بتعزيز التفرقة بين المجتمعات المحلية وتكريس العداء بين المواطنين فكانت محاربة العمل الإغاثي بالترويج أنه ممول من دول معادية رغم أن ما كان يقوم به هؤلاء الشبان كان عملاً طوعياً من جيوبهم الخاصة أو بدعم من أقارب مغتربين، لكن السلطات أصرت على صبغهم بصبغة الخونة والأعداء، الأمر الذي جعل الإقدام على العمل المدني أمراً بالغ الخطورة على القائمين به، لينحصر دور العاملين بالمجتمع المدني في الإغاثة المحلية وفق معايير كانت تفرضها الأفرع الأمنية وفرع حزب البعث.

في الظل بقيت تعمل المجموعات التي رفضت الوصاية الأمنية، لتمارس عملها المدني بحذر وروية أو تحت غطاء الوقف الديني.

بعد عام 2015 بدأ النشاط المدني يأخذ مساراً مغايراً للعمل الإغاثي، فانطلقت الحملات الشبابية الهادفة للتغيير مثل “خنقتونا/حطمتونا/ كفى…الخ” ومابين عامي 2019 و 2023  أطلق الشباب المدني حملات مناصرة تطالب بالحقوق المدنية والقانونية  كحملة “من أجل الهيب” المطالبة بتفعيل القانون الجنائي، وحملة “بدنا نعيش” المطالبة بتحسين الواقع المعيشي والأمني والخدمي..

في المقابل تجلت أهم مظاهر العمل المدني مع ازدياد الضائقة الاقتصادية من خلال مجموعات كرست نفسها من أجل التكفل بالطلبة الجامعيين وأخرى كان لها الدور في تأمين المساعدة للمرضى وتأمين تكاليف الطبابة والعمليات الجراحية، بالإضافة لمبادرات فردية نتج عنها دعم مشاريع صغيرة من قبل بعض المغتربين “وهنا نتحدث عن ما هو بعيداً عن الجمعيات والمنظمات التقليدية”

ولأن العمل المدني موجود في حياتنا اليومية وتزيد مظاهره في الأزمات فقد ظهر العمل المدني في كل شيء، واستمر محفزاً لحركات التغيير  وبعد مظاهرة مؤلمة في السويداء نتج عنها سقوط ضحية أمام مبنى المحافظة، بدأ اعتصام صامت لعدد من أهالي السويداء بإشراف عدد من الساسة والمثقفين متخذاً من الشعارات المكتوبة رسائل ومن ساحة السير “الكرامة” موقفاً، وقد حوصر هذا الاعتصام الذي استمر لأشهر، وانتهى بمسيرات واحتفاليات لحزب البعث في المكان نفسه إلى أن أعلن المعتصمون والمعتصمات عن تأجيل اعتصامهمإلى وقت لاحق.

خيبة الأمل من أي فعل دولي أو عربي خاصة بعد مؤتمر القمة العربية في شهر أيار، وتسارع انهيار الليرة السورية، بالتزامن مع مقابلة متلفزة وصفت بالمحبطة للرئيس الأسد، من القضايا التي مهدت لانتفاضة السويداء الشعبية، فقد شهدت البلاد حركة دبلوماسية عربية وإقليمية أوحت بحلول قريبة للقضية السورية ودفعت إلى التفاؤل لدى جزء من الشعب السوري وأمل بتغير ما في الواقع الاقتصادي والخدمي، هذا الذي ما لبث أن بدأ يتراجع مع تراجع سعر صرف الليرة السورية اعتباراً من قيمة تعادل 9 ألف ليرة لكل 1 دولار الفترة المرافقة لمؤتمر القمة إلى 14 ألف لكل 1 دولار خلال أشهر التالية للمؤتمر، وكذلك تعثر سياسة ماسمي بالخطوة مقابل خطوة وماتبعها من اتفاقات مع الجانب الإيراني عجّلت في انهيار الاقتصاد السوري ليصاب المواطن بخيبة وإحباط آخر ترافق مع ارتفاع كبير في أسعار المواد المعيشية وتدني في خدمات المؤسسات العامة. وازدياد في معدلات الجنح والجريمة وصولاً إلى ارتفاع مفاجئ لأسعار المحروقات مع ارتفاع مُخيب للآمال لرواتب الموظفين لتكون هذه الشعرة التي قصمت ظهر البعير والشرارة الأولى لانتفاضة السويداء.

وخلال الأسابيع الأولى للانتفاضة السويداء بدأت الانتفاضة تفرز تجمعات وتكتلات مدنية تنبئ بتطور في بنية التفكير بالاتجاه نحو مجتمع مدني،  وانبثاق تجمعات على أسس مهنية بدءاً من التجمعات المهنية للاختصاصات الصحية والهندسية والتربوية والتعليمية وصولاً لتجمعات المهن الحرفية وعمال وفلاحين وتجار، وبكل تأكيد لاتشكل هذه التجمعات بديلاً عن النقابات ولكنها تساعد بكل تأكيد على تشكيل أجسام داخل هذه النقابات تستطيع أن تساهم في استعادة دور النقابة الطبيعي.


وليس أخيرا…!!
تجاوزت الانتفاضة في شهرها الرابع معظم محاولات الإجهاض ولم تبد جماهيرها أية بوادر للتراجع عن المبادئ والأهداف بل على العكس من ذلك استطاعت أن تبني تحالفاً علمانياً بين الهيئات الدينية والمجتمعية، بفضل تلك التجمعات المبنية على أسس مدنية والتي قد يكون لها دور قوي في الحلول القادمة للوصول نحو دولة يسودها القانون وروح المواطنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى