أماكن

الدويرة خلال عشر ساعات: “شهداء، نزوح، ودمار في كل مكان.

الراصد – غيداء الصفدي

في ريف السويداء الغربي، تقع قرية الدويرة التي تضم نحو 150 منزلاً، ثلثها غير مأهول بسبب الهجرة التي ازدادت خلال 14 عاماً، ليتبقى في القرية قرابة 500 نسمة. إلى جانبهم، يقيم حوالي 70 منزلاً لعائلات من البدو نصف الرحل، يقدَّر عددهم بين 200 و300 شخص يعملون في تربية الماشية.

الدويرة تعتمد على الزراعة كمصدر رئيسي للعيش، خاصة الحبوب، مع محاولات محدودة لزراعة الخضار والزيتون بسبب التكلفة المادية والمائية، وتضم القرية ثلاث مدارس، أقدمها شيدتها بعثة تبشيرية إيطالية في ثلاثينيات القرن الماضي، إلى جانب كنيسة قديمة وجامع صغير ومعالم دينية محلية.

صباح الرابع عشر من تموز، تبدلت ملامح الدويرة، القرية الزراعية الهادئة غربي السويداء، إلى مشهد حرب لا يشبه تاريخها. خلال أقل من عشر ساعات، سقط قتلى وجرحى بين أهلها، واضطر معظم السكان إلى النزوح تاركين منازلهم ومدارسهم التي لحقتها أضرار جسيمة.

يقول أحد الشبان الذين عاشوا تلك الساعات لـ #الراصد: “في الليلة السابقة كنا نسمع عن اشتباكات في القرى القريبة. كنا نراقب الطرقات ونتبادل الاتصالات، لكننا لم نتوقع أن تصل المعارك بهذه السرعة. “عند الرابعة والنصف فجراً، رصد الأهالي تحركات قرب مواقع عسكرية مهجورة تبعد نحو كيلومتر واحد، أعقبها دوي رشاشات ثقيلة، فأدركنا أنها إشارة البداية”. يضيف الشاب.

خلال دقائق، تجمع نحو خمسة وثلاثين شاباً من القرية، وانضم إليهم مقاتلون من قرية تعارة المجاورة. جرى إجلاء النساء والأطفال وكبار السن في حافلة، فيما بقي الشباب بأسلحة فردية محدودة يحاولون الصمود.

مع السابعة صباحاً بدأ القصف على الجهة الغربية للدويرة. أصابت القذائف المدرسة الإعدادية في الجنوب، وتضررت منازل عدة، بينها منزل إياد جهاد النجم عزام الذي استُهدف بطائرة مسيرة، ومنزل آخر استشهد فيه شاب وأصيب شقيقاه. “القذائف كانت تتساقط بين البيوت… كنا نحتمي بالجدران البازلتية ونرد بما نملك”، كما روى الشاهد.

عند الواحدة ظهراً، وصل خبر اقتحام قرية تعارة من قبل عناصر وزارتي الداخلية والدفاع، ومجموعات كبيرة من عشائر البدو، ما جعل الدويرة شبه محاصرة. بدأ المدافعون انسحاباً تدريجياً عبر الأراضي الوعرة باتجاه نجران، حاملين بعض الجرحى. “لم أنظر خلفي إلا مرة واحدة… رأيت أعمدة الدخان تتصاعد من منازلنا”.

كان الأهالي يتفقدون ما تبقى من قريتهم عبر الاتصالات مع أبناء القرى المجاورة، واكتشفوا أن الحرائق كانت تمتد إلى المدارس والكنيسة والمجلس المحلي، إضافة إلى عشرات المنازل. ولا يزال خمسة من أبنائها في عداد المفقودين، فيما أُحصي شهيدان هما إياد حمود فارس الصفدي، وزيد فوزي عزام، وعدة جرحى.

الدويرة، التي كانت حتى الأمس القريب قرية زراعية نابضة بالحياة، باتت شبه خالية، تنتظر مصيراً مجهولاً. “لم تكن مجرد بيوت… كانت مجتمعاً كاملاً. ما خسرناه لا يعوض”.

الصورة المرفقة في المقال من الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى