بعد موجات الهجرة واللجوء للشباب السوري عموماً وذوي الخبرة والاختصاص من كافة الشهادات العلمية بشكل خاص، بدأت دول أوروبية وبالذات ألمانيا تختار بحسب احتياجاتها خريجي كليات الطب البشري والأسنان والصيدلة، وتسهّل لهم السفر والهجرة وفق الشروط الأكثر أماناً والأقل تكلفة.
وتشير معلومات متقاطعة ل #الراصد إلى هجرة المئات من الأطباء الحاصلين على وثائق التخرج حديثاً، وانتظار المئات منهم وصول الموافقة من ألمانيا، أو مواعيد المقابلة في سفاراتها المنتشرة في جوار سوريا.
مصدر مسؤول في وزارة الصحة السورية أكد هذه المعلومات، وأشار إلى هجرة أكثر من 600 طبيب أسنان منذ بداية العام الحالي.
في حين تشير معلومات الراصد إلى هجرة أو استعداد المئات من الأطباء الخريجين حديثاً للهجرة من سورية، وخاصة من أبناء السويداء وجرمانا وصحنايا.
وتبدأ عملية التحضير للهجرة بإرسال طلب الموافقة على تعديل شهادة الطب ودراسة الاختصاص، مرفق بوثيقة التخرج إلى أحد البلديات الألمانية، ثم انتظار الموافقة الأولية “البيشايد” وهي المقدمة اللازمة لإجراء فحص اللغة ومن ثم المقابلة في أحد السفارات الألمانية في لبنان أو الأردن.
ويتخلل هذا فتح رصيد حسابي باسم الطبيب المهاجر في أحد البنوك الألمانية بمبلغ 12 ألف دولار، ويبقى هذا الرصيد مغلق لحين حضور الطبيب إلى ألمانيا.
أما هذه العملية فتتوقف على نتائج فحص اللغة والتي تتم بمعهد غوته أو معهد “ösd” في الأردن أو لبنان، وعلى قبول الأوراق ومواعيد السفارات، وتأخذ من الوقت أكثر من 6 أشهر.
طبيبة من الواصلات حديثاً إلى ألمانيا قالت للراصد؛ إنها وصلت على متن طائرة برفقة عدد من زملائها الأطباء، غالبيتهم من السويداء. أضافت: “من خلال تواصلي مع العديد من الزملاء خريجي الدفعة ومن نعرفهم من الدفعات السابقة، فقد وجدت العشرات منهم هنا في ألمانيا أو يحضرون أنفسهم للحضور وخاصة الطبيبات منهم ومن كافة الاختصاصات”.
وتضيف الطبيبة؛ إن تكاليف دراسة أي اختصاص طبي في سورية تزيد عن مبلغ 12 ألف دولار إلى جانب الفوارق التي لا تقارن بين البلدين من حيث القيمة العلمية للخبرة والشهادة، والمعاملة الإنسانية التي نفتقدها في سورية، والكثير من الظروف التي أفقدتنا إنسانيتنا وحولت جزء منّا وخاصة نحن الأطباء لآلة وأداة.
أما عن أفكار العودة بعد دراسة الاختصاص والزواج والأطفال فتقول الطبيبة للراصد؛ “في البداية هنا حصلنا على الأمان بعيداً عن الخوف والقلق والقهر والاستغلال وحتى الابتزاز، ثم بدأنا في دراسة الاختصاص الذي يتخلله العمل والإنتاج وبناء المستقبل، وهذا في حد ذاته فرصة للبقاء والعيش بكرامة ولمساعدة الأسرة في سورية وربما لمساعدة شخص آخر على الهجرة”.
وكانت “حنان بلخي” المديرة الاقليمية لمنظمة الصحة العالمية، قد دعت لوقف نزيف الكفاءات الطبية في سورية، وحذرت من أن نحو نصف القوى العاملة في مجال الصحة قد فرت من البلاد، مشيرة إلى أن الأطباء السوريين يتعلمون اللغة الألمانية إلى جانب دراستهم للطب ليكونوا مستعدين للرحيل، واصفة هذا الوضع بالمخيف.
يقول جهاد شهاب الدين للراصد؛ من المؤسف والمحزن أن نتعب وأولادنا كل هذا العمر لنبحث وإياهم عن طرق للهجرة والخلاص بعد 17 عام مضت على مقاعد الدراسة، وإذا كان البعض من الاختصاصات العلمية كالطب والهندسة وجد طريقاً فماذا يفعل الباقون؟..
وختم بحزن: “ما أخشاه أن يتحول هذا الوطن إلى مأوى كبير للعجزة وللعسكر الهاربين والضحايا”.