تقارير

مياه السويداء، تاريخ طويل مع الفساد، وبيانات المحافظ مختلفة!!

لم تمض بضع ساعات على مغادرة وزير الموارد المائية “تمام رعد” السويداء بعد زيارة خصها لمعالجة الواقع المائي في المحافظة، يوم السبت الماضي؛ حتى قال أحد المواطنين بأنه اكتشف إحدى الاعتداءات التي تقوم بها الجهات الأمنية في السويداء على موارد أبناء المحافظة المائية، حيث تبيّن قيامها بسحب مابين 20 إلى 25 صهريجاً من المياه يومياُ لسقاية الأشجار حول مباني الأفرع رغم امتلاء خزاناتها، في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون العطش.

وكان الوزير قد أطلق خلال زيارته وعوداً بمكافحة الفساد في مؤسسة مياه الشرب، وإصلاح أعطال المنظومة المائية بالسرعة القصوى، وهي الوعود نفسها التي أطلقها قبل عامين.

وجاءت الزيارة بالتزامن مع أسوأ أزمة مياه تشهدها المحافظة، والتي لعب الفساد المالي والإداري في مؤسسة مياه الشرب ومديرية الموارد المائية على امتداد سنوات الدور الأكبر في إنتاجها، في ظل تغافل حكومي يثبت أن رأس الفساد ليس في السويداء.

*بدايات انهيار الخدمة المائية في السويداء.

مع مطلع العام 2012 بدأت الحرب السورية ترخي بظلالها على الواقع الخدمي في البلاد والذي لم تكن محافظة السويداء بعيدة عنه. فبعد أشهر قليلة من بدء الحرب؛ خرجت العديد من المشاريع المائية عن الخدمة نتيجة تعرضها للاعتداءات، بالإضافة للتقنين الكهربائي والأعطال وتزايد الفساد لتخسر السويداء في البداية أكثر من 350 ألف متر مكعب من المياه يومياً.

كما ساهمت الزيادة السكانية بنسبة 40% مع عودة أبناء المحافظة الذين كانوا يقيمون في ضواحي دمشق، وتوافد السوريون الفارين من الحرب إلى المحافظة بازدياد الحاجة لكميات أكبر من المياه. وترافق كل ذلك مع تراجع حاد في الهاطل المطري ونفاذ مخازين السدود.

ورغم وجود 385 بئراً موزعة على امتداد المحافظة و18 سداً و6 محطات تصفية، إلا أن العقد الأخير شهد تردياً ملحوظاً في القطاع المائي نتيجة تعطل عدد كبير من الآبار ومعداتها، إضافة لتفشي الفساد المالي والاداري في مفاصل المؤسسة. ليزداد الواقع المائي سوءاً إلى أن وصل لحدود العطش في السنوات الأخيرة.

مؤسسة مياه الشرب .. تاريخ حافل بالفساد:

لا أحد ينكر أن العوامل السابقة شكلت سبباً كافياً لانهيار المنظومة المائية، إلا أن اليد الطولى والعامل الأبرز لهذا الانهيار تمثل بالفساد الإداري والمالي الذي ازداد في المؤسسة وتفاقم مستغلاً الأزمة وغياب المساءلة والقانون من جهة، ودعم الفاسدين المؤتمرين من شخصيات نافذة من جهة أخرى.

ولم يكن الفساد في المؤسسة حديث العهد، أو نتاجاً للصراع السوري، إنما ساهمت سنوات الصراع بتقويته وتكريسه، حيث من حكايات الفساد في المؤسسة توقيف أحد المدراء السابقين من قبل قاضي التحقيق اﻻقتصادي بتهمة التصرف غير المشروع بآليات المؤسسة حين ادعى إرسال رافعة المؤسسة بمهمة صيانة الى ريف حلب في الوقت الذي كانت تقوم به بحفر وتنزيل بئر مياه خاص بالعميد “محمد الشوشه” رئيس فرع الأمن السياسي بالسويداء سابقاً، ومن الطرائف أن التهمة طالت مدير الدائرة أنذاك، ولكن “الشوشة” لم يمسه سوء، فمن كان راعي الفساد عمليا ً؟!.

ثم جاء مدير جديد ليكمل مسيرة الفساد باستغلال منصبه للثراء غير المشروع عبر علاقات تربطه بمجموعة من التجار والمتعهّدين المرتبطين بأصحاب القرار في دمشق، فيما فسر كثر نفوذه بأنه نتيجة كونه جزء من سلسلة متينة لايمكن قطعها، ومازال رأسها يحركها كما شاء حتى “يشاء الله”!!

و بعد إنهاء مهمة الأخير تم تعيين مدير جديد لإدارة المؤسسة، متن علاقاته مع الجهات الأمنية ليستفرد بالقرارين الإداري والمالي للمؤسسة، مستغلاً منصبه لمكاسب شخصية لربما كان جلها حفاظه على منصبه من خلال تكريس الفساد، ما تسبب بإعادة المؤسسة إلى نقطة الصفر، وراكم ديونها التي بلغت ملايين الليرات، ناهيك عن خلافه مع المحافظ السابق “عاطف النداف” على صرف مستحقات المتعهد “رامز الهيش” الذي احتكر عقود الصيانة في المؤسسة بطرق ملتوية بمساعدة المدير .

وعلى خطى الأخير جاء المهندس المقرب من أمين فرع الحزب ليستفرد بقرار الإدارة مغيباً دور مجلسها، ومبعداً كل من يعارضه من المناصب الإدارية في المؤسسة واستبدالهم بآخرين يستطيع فرض أوامره عليهم، وعلى ذلك فقد استبدل 3 معاونين في فترة قصير لم تتجاوز ثلاثة أعوام كان آخرهم المهندسة “وعد الشومري” التي يقول عنها مصدر الراصد أنها اتصفت بالقوة والجرأة على رفض أي أمر يشوبه مفسدة وآخرها رفضها التوقيع على صرف ثلاثة مليارات ليرة لمتعهد الصيانة “رامز الهبش”، والذي تسبب بنقمة “المدير” عليها ليطلب استبدالها بقرار وزاري، ليتم تكليف المهندس “أمين غزالي” بدلاً عنها حتى تاريخ إنهاء تكليف المدير ، وتكليف “غزالي” بتسيير أمور المؤسسة لمدة تسعة أشهر إلى أن تم تكليف المهندس “وائل الشريطي”.

وقد ترك آخر الراحلين المؤسسة غارقة بديون تبلغ 15 مليار ليرة سورية، يمكن الجزم أن عشرها وصل لشبكة الفساد في المحافظة وتسعة أعشار لحماتها

ولم تقتصر إنهاء المهام على مدير المؤسسة حيث تبع ذلك قرارات بإنهاء بعض أذرع الفساد من مدراء الأقسام في المؤسسة وتحويلهم للتحقيق مثل “سميح نصر” مدير قسم الصيانة والاستثمار سابقاً، ولكن الإنهاء بقي شكلياً ولايزال “نصر” يتحكم بمفاصل كثيرة في المؤسسة (وفق مصدر الراصد).

*مابين 2021 و2023 ملف المياه يشغل المحافظة ويشعلها؟

تفاقم الأزمة المائية وبلوغ المشكلة أوجها في الأعوام الثلاثة الأخيرة أثار ثائرة الكثيرين من أبناء المحافظة، ودفع العديد من شبان البلدات والقرى لاحتجاجات هدفت للضغط على المؤسسة لصيانة أعطال الآبار في قراهم وبلداتهم، وعلى وجه الخصوص في قرى الريف الشرقي للمحافظة اللواتي شهدت مطلع العام 2021 وقفات احتجاجية وقطع للطرقات ومنع الموظفين الحكوميين من الوصول إلى أماكن عملهم.

تغافل المؤسسة عن مطالب هذه القرى أدى لأعمال تصعيدية كقيام شبان من هذه القرى باحتجاز ومصادرة آليات تابعة للمؤسسة للضغط عليها وتحقيق مطالبهم بتأمين مياه الشرب وإصلاح أعطال منظومة المياه في قراهم، وكان لمعظم هذه التحركات وقعاُ مثمراُ ولو بشكل جزئي حيث أجبرت المؤسسة على إصلاح بعض الآبار والمعدات فيها.

فيما شهدت المحافظة وقفات احتجاجية نظمها أصحاب الصهاريج أمام مؤسسة المياه للمطالبة بمستحقات آلياتهم من المازوت والأجور المتراكمة لهم لدى المؤسسة والمتفق عليها لقاء عقود “نقلات المياه الإسعافية” التي تكفلت المؤسسة بتقديمها مجاناُ للمواطنين ريثما يتم إصلاح أعطال الآبار والشبكات في بعض القرى.

أكثر من نصف مليار ليرة سورية يتبرع بها المواطنين في السويداء لإصلاح أعطال آبار قراهم بعد تملص المؤسسة من مسؤولياتها!!

دائما ماكانت تصطدم المطالب الشعبية بحل أزمة المياه في السويداء من قبل المؤسسة بعبارة (مافي ميزانية)، ومع الأيام بدأت تترسخ لدى المواطنين القناعة بعجز المؤسسة والحكومة عن تحسين الواقع المائي، مادفع أهالي قرى وبلدات عديدة لإنشاء صناديق تعاونية بهدف إصلاح أعطال الآبار والمولدات أو بهدف تمديد خطوط كهرباء معفاة من التقنين إلى آبار قراهم.

وقد واكب الراصد العديد من المبادرات الأهلية في قرى وبلدات الجبل والتي تجاوزت المؤسسة لإعادة تأهيل الخدمة المائية في قراهم، وتجاوز المبلغ الإجمالي للتبرعات التي قدمها المواطنون نصف مليار ليرة سورية، بين حفر بئر في قرية مجادل وإصلاح غواطس وشراء أخرى في امتان والهيات والهيت ورضيمة اللوا، وإصلاح مجموعات التوليد في نمرة شهبا ودوما وعراجة وتيما وام ضبيب، وتمديد خطوط معفاة من التقنين في شقا وولغا وقنوات ومفعلة والثعلة والمتونة ..

ولاقت عمليات التبرع الشعبي لإصلاح أعطال الآبار جدلاُ واسعاً بين المواطنين حيث اعتبر الكثير منهم أن هذه الخطوة تعتبر تشجيعاً للفساد وتخلي الدولة عن مسؤولياتها وواجباتها تجاه مواطنيها.

50 % من آبار المحافظة خارج الخدمة!!

كشف محافظ السويداء “بسام بارسيك” خلال اللقاء الأخير مع وزير الموارد المائية عن أرقام يتم إعلانها للمرة الأولى، حيث أشار إلى أن عدد الآبار المخصصة لمياه الشرب على ساحة المحافظة يساوي 328، منها 59 خارج الاستثمار جراء جفاف بعضها، وسقوط تجهيزات بعضها الآخر. وأضاف أن هنالك 85 بئراً بحاجة غواطس، و20 بئراً بحاجة إلى تجهيزات كاملة، وعليه فإن المستثمر 164 بئراً فقط أي 50% من الآبار معطلة خلافاُ لروايات المؤسسة، فأين هي الحقيقة، ولماذا أخفت المؤسسة هذه الأرقام؟

كما طالب “بارسيك” الوزير بزيادة كمية التغذية الكهربائية لمحافظة السويداء إلى 100 ميغا واط، بهدف تحسين الواقع المائي فيها، وشدد على ضرورة إيجاد حل لموضوع إصلاح مجموعات التوليد، وتوفير اعتماد مالي إضافي للمحافظة زيادة على خطتها السنوية.

لفت الوزير “رعد” إلى أن خطة المؤسسة المالية لهذا العام تبلغ 13 مليار ليرة، جزء منها لتسديد الديون المتراكمة على المؤسسة والمقدرة بنحو 15 مليار ليرة، «حيث تحدث بعض الحضور عن مطالبات شركة المحروقات بديونها البالغة نحو 11 مليار ليرة ناهيك عن ديون شركة الكهرباء » وجزء لتنفيذ مشاريع مائية لتحسين الواقع المائي حسب الأولوية.

كما كشف عن تنسيق جرى مع منظمات مانحة لإصلاح عدد من الآبار المعطلة، وأنه تمت إعادة تأهيل 7منها، بتكلفة تجاوزت 9 مليارات، مع تأمين 10 غواطس و10 محركات أخرى لزوم الغواطس المعطلة بتكلفة مالية بلغت 3 مليارات ليرة، وأشار إلى أن المؤسسة قامت بإصلاح 20 مجموعة توليد على أن يتم إصلاح 17 مضخة غاطسة، ذلك ضمن عقد صيانة بقيمة 600 مليون ليرة، نفذ 30 بالمئة من قيمته “هذه التكاليف أيضاً فتحت الباب للكثير من الأسئلة، حول التكاليف الحقيقية والقيم المصروفة”.

وعلى الرغم من أن مهام المدراء السابقين أنهيت لأسباب تمس النزاهة اكتفت الهيئات القضائية والرقابية بالتحقيق معهم وتغريمهم مادياً، دون الحكم على أي منهم بالسجن، وبقيوا جميعهم طلقاء،فهل سيفي الوزير بوعوده في محاسبة الفاسدين الذين تسببوا بانهيار الواقع المائي للمحافظة؟ وهل ستنبش ملفات الفساد النائمة في أدراج الهيئات الرقابية والقضائية؟ أم أن المحاسبة والنبش لن يطال إلا الموظفين الصغار ويترك الفاسدين الكبار؟

عذراً: لست مضطراً للتفكير بجواب للسؤال الأخير، فلا يمكن لفاسد أن يحاسب فاسد، ولا يمكن لنزيه أن يصبح مسؤولاً في منظومة فاسدة، أنا أعرف وأنت تعرف أن طريق مكافحة الفساد ليست معبدة، وربما ليست مرسومة أصلاً، فلا تفكر بالأمل قريباً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى