من السويداء إلى جبهات القتال بين روسيا وأوكرانيا، دفع الفقر الشاب السوري “حسن” إلى خوض مغامرة محفوفة بالمخاطر. إغراؤه براتب مغرٍ قاده إلى مصير مجهول، ليجد نفسه وسط حرب طاحنة، شاهداً على مجازر لم يكن يتخيلها. يقول ” تلك الكلمات التي سمعتها من قائدي الروسي قبل الهروب من أرض المعركة، حيث تركنا لمصيرنا”.
يوثق هذا التحقيق رحلة تجنيد شبان سوريين من محافظة السويداء ومحافظات أخرى، بالإضافة إلى جنسيات عربية أخرى، عبر شبكة من السماسرة المحليين والروس. خُدع بعض هؤلاء الشبان في البداية بوظائف كحراس أمن في روسيا، بينما استدرج آخرون بالإغراءات المادية والوعود بالتجنيس، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف وقوداً للحرب هناك.
من موت إلى موت آخر، معاناة ينقلها ويوثقها “الراصد” من خلال شهادة ثلاثة مقاتلين على الخطوط الأمامية من أبناء السويداء الذين جندوا بالخديعة، وآخرون لا يزالون على الجبهات، وجندوا بملء إرادتهم، إضافة لشهادة والدي اثنين من المجندين.
من جحيم إلى جحيم
في أيار 2024، وصل “حسن” إلى موسكو مع 14 من رفاقه، ثمانية منهم من السويداء، على أمل الوصول إلى إحدى الجمهوريات الروسية للعمل لصالح شركات خاصة تتعاقد مع الجيش الروسي في حراسة منشآت عسكرية والمناجم. بدت العملية سهلة في البداية، خاصة أن بعضهم كان قد اعتاد أداء مهام مماثلة لصالح الروس في ليبيا، لكن الواقع في روسيا كان مختلفا تماما.
سمع “حسن” من معارفه عن تفاصيل فرصة العمل كحارس منشآت في روسيا، براتب مجز يصل إلى 3500 دولار، مما دفعه للتواصل مع السمسار “و.د”، بعد أن اقتنع أن هذا المبلغ الشهري سيغير حياته وحياة أهله.
لم يمنح “حسن” نفسه وقتا طويلً للتفكير، إذ قرر بعد يوم واحد فقط التوجه إلى منزل السمسار. حمل معه مليونا ونصف المليون ليرة سورية، كان قد استدانها من أصدقائه لدفعها كعمولة مقابل تسهيل عملية سفره لروسيا.
في منزل السمسار “و.د” وقع “حسن” على وثيقة إخلاء مسؤولية. لتنطلق رحلته الأولى إلى منزل في جرمانا بريف دمشق، حيث جُمع الراغبون بالسفر استعدادا للانطلاق إلى روسيا.
تعاني السويداء جنوب سوريا من أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة. وفقا لآخر إحصائية رسمية صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء في سوريا حتى نهاية عام 2023، يبلغ عدد سكان المحافظة نحو 540 ألف نسمة، يعيش أغلبهم تحت خط الفقر.
يتفاقم هذا الواقع مع غياب فرص العمل بسبب تراجع النشاط الاقتصادي، واعتماد السكان بشكل كبير على السفر لتأمين احتياجاتهم. علاوة على ذلك، فقدت السويداء خلال سنوات الحرب أهم مواردها، مثل الزراعة، نتيجة الجفاف وتردي الخدمات الأساسية، بما في ذلك شح المياه وصعوبة تأمين الوقود اللازم لتشغيل الآلات الزراعية.
بعد أيام من وصول “حسن” ورفاقه الأربعة عشر إلى إحدى مُدن روسيا، اكتشفوا أنهم وقعوا ضحية احتيال. عوضا عن العمل كحراس أمن، اُستقطبوا ليكونوا مقاتلين كمرتزقة في الجيش الروسي. حاولوا الاعتراض في البداية، إلا أن جميع السبل تقطعت بهم. وجدوا أنفسهم مفلسين وغير قادرين حتى على الذهاب إلى موسكو العاصمة، ليتم استغلالهم بالتوقيع على عقود قتال مع الجيش الروسي.
لاحقا، نقلوا إلى جبهة مدينة كورسك، حيث وضعوا في خنادقٍ مع مرتزقة آخرين من جنسيات عربية وأفريقية. هناك، وجد “حسن” نفسه في قلب المعركة، كما روى لـ “الراصد”.
منذ شباط عام 2022، بدأت روسيا في استقطاب وتجنيد مقاتلين من العرب والأفارقة، بمن فيهم شبان سوريون، مستغلةً الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في سوريا، للزج بهم في القتال ضد أوكرانيا. جاء هذا التوجه في أعقاب الخسائر الفادحة التي تكبدها الجيش الروسي في صفوف جنوده، ورفض نسبة كبيرة من المواطنين الروس المشاركة في الحرب.
كانت فكرة استقطاب المرتزقة لوزير الدفاع الروسي السابق سيرغي شويغو، ولاقت تأييدا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي 14 تشرين الثاني 2022، عدل بوتين اللائحة الخاصة بإجراءات الخدمة العسكرية، ما سمح للأجانب بالانضمام إلى الجيش الروسي، مع تقديم تسهيلات كبيرة للحصول على الجنسية الروسية لمن يخدم منهم فترة لا تقل عن عام واحد.
كيف بدأت القصة؟
وصل هذا المقطع إلى “الراصد” عبر بريد الصفحة على فيسبوك بتاريخ 24 كانون الثاني 2024، من شخص يُدعى “زاهر” (اسم مستعار)، وهو أحد أبناء السويداء ومجند في صفوف الجيش الروسي.
بعد الاستماع إلى المقطع، بدأنا رحلة البحث، واستطاع فريق “الراصد” الحصول على تسجيل صوتي لرجل يروّج لقصة مفادها أن جمهورية “ياقوتيا”، وهي إحدى الجمهوريات التابعة للاتحاد الروسي، ترغب في استقطاب حراس منشآت وعمال لمناجم الذهب والألماس من سوريا ودول أخرى.
وعبر البحث والتحقق، والاستماع لشهادات عدد من الأهالي وسكان المدينة، اكتشف “الراصد” أن هذا الرجل وقع هو الآخر ضحية خدعة محكمة أعد تفاصيلها كل من المدعو “أ.ط”، وهو رجل سوري يحمل الجنسية الروسية، ويعمل مستقطبا لصالح الجيش الروسي، بالتعاون مع السمسار “و.د”، أحد أبناء السويداء. وكان هذا الرجل يعتزم السفر للعمل هناك برفقة ابنه، إلا أن طلبه رُفض بسبب تجاوزه العمر المسموح به.
عندها، عرض عليه المستقطب مساعدة ابنه في السفر إلى روسيا مقابل الترويج لهذه القصة. وافق الرجل وروج لها، ليكتشف لاحقا أنه تورط في الترويج لخدعة مدبرة.
في الأشهر التالية، نجح السمسار “و.د” في استدراج عدد من الشبان وإقناعهم بالتوقيع على عقود عمل في روسيا. تضمنت هذه العقود شروطا تخلي مسؤولية السمسار وأي جهة حكومية سورية من أي تبعات قانونية، مع الاتفاق على العمل لمدة سنة كاملة براتب شهري قدره 3500 دولار.
قام “الراصد” بالتواصل مع السمسار “و.د” عبر تطبيق واتساب باستخدام رقم وهمي، مدعين الرغبة في السفر إلى روسيا للعمل. خلال المحادثة، استفسرنا عن طبيعة العمل ومدى الضمانات المتاحة. أكد السمسار صحة التفاصيل التي رواها والد المجند، مشيرا إلى أن المبلغ الذي يتقاضاه كعمولة يعتبر “زهيدا” مقارنة بقيمة الفرصة في روسيا التي وصفها بـ”السهلة”، خاصة عند مقارنتها بخيارات الهجرة إلى دول أوروبا الغربية.
كما روج “و.د” للمزايا التي يقدمها العمل، مثل الحصول على الجنسية الروسية وجواز السفر الروسي، إضافة إلى الإعفاء من الخدمة العسكرية والاحتياط في سوريا.
مقطع صوتي للسمسار يدعو فيه الشبان للتجمع في جرمانا.
معاملة سيئة وتهديدات بالقتل
على مدار أشهر تتبع “الراصد” القصة، حتى تمكن من الوصول إلى ثلاثة شبان ما زالوا يقاتلون على الجبهة في صفوف الجيش الروسي. كنا على تواصل مستمر معهم عبر رسائل واتساب والمكالمات الصوتية.
روى الشبان لنا إن المعاملة سيئة للغاية، حيث يعاملون “كعبيد للروس” على الجبهات، في ظل نقص حاد في الطعام والماء. وأضافوا أنهم يتعرضون لتهديدات بالقتل في حال حاولوا التراجع عن القتال أو الانسحاب من الجبهة.
الشبان الذين تحدثوا إلى “الراصد” يمثلون عينة صغيرة من عشرات الشبان الذين جندوا لصالح الجيش الروسي. هؤلاء الشبان ليسوا فقط من السويداء، بل من محافظات سورية أخرى، بالإضافة إلى مجندين من جنسيات عربية أخرى تم استقطابهم للقتال.
أما عن التدريبات، فقد وصفها المجندون بأنها “بسيطة للغاية” ولا تتناسب مع طبيعة القتال على الجبهات، حيث اقتصرت على تعليم الأسلحة والرماية لمدة 15 يوما فقط، دون أي تدريبات عسكرية متقدمة تتعلق بالقتال الحقيقي في الحرب.
لاحقا، ألقت السلطات الأمنية السورية القبض على السمسار “و.د” أثناء وجوده في العاصمة دمشق، بعدما تبين أنه كان طرفا رئيسيا في عملية الخديعة والتجنيد.
بعد أيام من اعتقاله، تواصل شقيق السمسار “و.د” مع “الراصد”، وقدم وثائق وعقودا موقعة بين الشبان وأخيه. كما سلم وثائق أخرى تظهر توقيعات الشبان على إخلاء مسؤولية الحكومة السورية، مؤكدين فيها رغبتهم الكاملة في السفر إلى روسيا.
حاول الشقيق الدفاع عن أخيه، زاعما أن “و.د” كان مجرد وسيط محلي، ولم يكن على علم بما كان يخطط للشبان بعد وصولهم. وأوضح أن أخاه نفسه كان ضحية لهذه الخديعة الكبرى.
طريق جديد للتجنيد
رغم انكشاف الخديعة الأولى واعتقال المسؤولين المباشرين عنها في سوريا، لم يتوقف الاستقطاب والتجنيد. بل تحول الأمر إلى مسار أكثر وضوحا وصراحة، حيث بات الالتحاق بالجيش الروسي يعلن عنه بشكل مباشر ومنظم.
على الجانب الروسي، أصبحت عملية التجنيد تدار من قبل امرأة تدعى “ب.إ”، روسية الأصل. حاول فريق “الراصد” التواصل معها عبر عدة وسائل، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل. باستخدام أدوات تحليل بيانات المصادر المفتوحة، تمكنا من تتبع هويتها، ليتبين أنها تقود شبكة واسعة من السماسرة في السويداء ومناطق سورية أخرى، إضافة إلى دول عربية مثل العراق، مصر، والمغرب، ودول أفريقية.
تشرف “ب.إ” على إدارة مجموعات وصفحات تروج لعمليات التجنيد، من بينها قناة تعرف باسم “صديق روسيا” على منصتي واتساب وتليغرام، بالإضافة إلى صفحتها الشخصية على فيسبوك، حيث تنشر عروضًا تتعلق بالتجنيد والمزايا المرتبطة به.
ومن خلال اطلاع “الراصد” على إحدى مجموعات التليغرام التي تديرها “ب.إ”، تمكنا من توثيق ما تقدمه من إغراءات للمقاتلين من مختلف الجنسيات. تتولى “ب.إ” التعاقد وإتمام الاتفاقات مع الجهات الروسية مقابل عمولات على خدماتها. كما تنشر عبر مجموعاتها مقاطع فيديو يظهر فيها مقاتلون يتحدثون باللغة العربية، وهم يرتدون الزي العسكري الروسي، مؤكدين حسن المعاملة وتوفر الطعام والرعاية الجيدة على جبهات القتال.
ما تروج له “ب.إ” يتوافق مع التعديلات التي أدخلت على قانون التجنيد الروسي في عام 2022، إضافة إلى التعديلات التي أقرت في كانون الثاني 2024، عندما أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما يسمح للأجانب الذين يقاتلون لصالح روسيا في حربها ضد أوكرانيا بالحصول على الجنسية الروسية.
بموجب هذه التعديلات، يمنح المقاتلون الأجانب وأفراد أسرهم، بما في ذلك الأزواج والأطفال والوالدان، الحق في التقدم للحصول على جوازات سفر روسية بعد ثبوت خدمتهم في الجيش الروسي لمدة لا تقل عن سنة واحدة.
وفي عام 2023، أبرمت في روسيا عقود مع نحو 490 ألف عسكري متعاقد ومتطوع للانضمام إلى القوات المسلحة الروسية، وفقا لأحدث بيانات وزارة الدفاع الروسية.
كما ذكرت وكالة “ريا نوفوستي” الروسية في تقرير سابق أن أكثر من 660 ألف عسكري ممن تعاقدوا مع الجيش الروسي خلال عامي 2022 و2023 اكتسبوا خبرة قتالية نتيجة مشاركتهم في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.
الموت في الحرب أهون من الجوع
“عبادة” (38 عاما)، وهو اسم مستعار لشاب من ريف السويداء، قرر الالتحاق بالجيش الروسي بملء إرادته بعدما رأى الإعلانات المنشورة على قناة التليغرام التي تديرها “ب.إ”. بعد انضمامه إلى الجيش الروسي، حصل على الجنسية الروسية، ويتواصل حاليًا مع “الراصد” عبر الهاتف وتطبيق واتساب.
يبرر “عبادة” قراره بالراتب المغري الذي يتقاضاه، وهو أضعاف ما كان يجنيه خلال عمله في سوريا. ويقول لـ “الراصد” إنه سيحصل قريبًا على حوالي 60 ألف دولار أمريكي تعويضا عن إصابته مرتين، وهو مبلغ يقول إنه يحتاج إلى 24 عاما في سوريا ليتمكن من تحصيله.
يتابع “عبادة” حديثه قائلا: “قد يلومني البعض، ويقولون إن الروح أغلى من المال، لكن هذا لا يساوي رؤية والدي أو أطفالي يمرضون دون القدرة على زيارة الطبيب، أو عجزنا عن تأمين حياة كريمة لهم”. ويضيف: “أفضل الموت بالرصاص على الموت جوعا”.
ليس السوريون فقط
خلال عملنا على التحقيق، وثق “الراصد” التحاق شبان من مصر والمغرب والجزائر واليمن والعراق بأعداد كبيرة في صفوف الجيش الروسي، عن طريق نفس الوسيطة الروسية ووفق الشروط ذاتها.
يقول “محمد.ز” (اسم مستعار)، وهو شاب مصري مجند حاليا في صفوف الجيش الروسي في حربها ضد أوكرانيا، إن العشرات من المصريين بدأوا التقدم للقتال عبر دعوات نشرت على الإنترنت من قبل وسطاء.
ويضيف محمد أن هؤلاء السماسرة كانوا يروجون لفكرة أن القتال في روسيا أمر سهل، مشيرون إلى المزايا العديدة التي يحصل عليها المتطوعون، وعلى رأسها الراتب الكبير الذي يعتبر حافزا رئيسيا للكثيرين.
“لا أحدا يلجأ إلى هؤلاء”
من جبهة أخرى وموت آخر. تتوارد إلينا الأنباء يومياً عن إصابات بعضها لشبان من السويداء، بينما يخضع آخرون للعلاج من الإصابات الجسدية والنفسية.
يقول “محمود”، في الثلاثينيات من عمره، وهو اسم مستعار لشاب من السويداء يقاتل على جبهة لوغانسيك منذ آذار 2024: “نحن لا نقاتل الجيش الأوكراني، بل نقاتل طائراتهم المسيرة. نحن مجرد حواجز لمنع الأوكرانيين من التقدم. نفترش الخنادق معظم الوقت، منتظرين محاربة عدو يأتي من السماء. خلال هذا الوقت القاهر، نبحث عن أي أصوات تنطق بالعربية، لنجد رفيقا مصريا هنا، وآخر مغربيا هناك. نجتمع معا، نجتر آلام الفقد والغربة، ونتحمل الخيبة والذل الذي أصابنا.”
في المقابل، في السويداء بسوريا، يحاول والد أحد المجندين لصالح روسيا بكل جهد إعادة ابنه من جبهات القتال. يقول الأب لـ”الراصد”: “طالبت ابني بالبقاء في سوريا، وأمام إصراره على السفر، طلبت منه أن يغير وجهته للعمل في الإمارات أو عمان، لكنه أصر على الذهاب إلى روسيا، أملا في المال السريع والحصول على الجنسية.
ويضيف الأب: “لم يمض عشرون يوما على ذهابه، حتى جاءت أول مناشدة منه لإنقاذه. لجأنا إلى كل الوجاهات الاجتماعية والدينية في السويداء، لكن بلا جدوى، فالأمر أصبح في يد السفارة الروسية والحكومة الروسية. حاولت التواصل مع السمسار الذي ساعد على تسهيل سفره، لكنه رفض التحدث معي، ثم غير رقمه ومكان سكنه. لا أنصح أحدا باللجوء إلى هؤلاء السماسرة أو السير على مصير ابني.
اختفاء وإصابات وموت
كان كل شيء على ما يرام قبل أن يقرر “حمزة” وهو اسم مستعار لمهندس من أبناء السويداء، السفر من الإمارات العربية التي كان يعمل بها إلى روسيا، بهدف إيجاد منفذ يدخل عبره إلى إحدى دول أوروبا، ولكن ظروفا جمعته بالمستقطبة “ب.إ” والتي أقنعته أنه لكي يتمكن من مغادرة روسيا نحو دول أوروبا فعليه الحصول على الجنسية والجواز الروسي، وليحصل عليهما عليه توقيع عقد انضمام للجيش الروسي، وإنها بنفسها ستشرف على فرزه إلى مكان بعيد عن الجبهة ومقابل ذلك يدفع لها 1000 دولار كل شهر -حسب ما قال أحد المقربين منه للراصد- والذي كان قد أجرى معه آخر اتصال منذ ستة أشهر قبل أن يُفقد التواصل نهائيا، مرجحا وقوعه في فخ التجنيد. حيث اختفت أخباره كليا، لكن أهله والمقربون منه لا يزالون يأملون أن يسمعوا صوته أو يعرفوا عنه شيء.
وفي الرابع عشر من أيلول قضى الشاب وحيد الشبلي بعد إصابته على جبهة لوغانسيك في حرب أرغم على خوضها أملا في تحسين ظروفه وظروف أهله، لكن نيران أوكرانية أنهت حلم هذا الشاب وحياته معا، وفي الوقت ذاته فقد شاب آخر من السويداء الأمل مع فقدان قدميه اللتان قطعتا بعد إصابته بنيران أطلقتها طائرة درون عليه في الخندق الذي كان يختبئ به.
بينما يروي عبادة كيف أن أحد أصدقاءه خرج من الخندق بعد أن مل من محاولات الاختفاء عن كاميرات الطائرة فاتحا ذراعيه كأنما يقول لها “ها أنا ذا اقتليني لم أعد أطيق الاختباء من ملاحقتك”، لتطلق تلك الطائرة بعض رصاصات فتصيبه إلا أنه نجا من الموت بأعجوبة.
استراحة محارب
بعد سنة من القتال أيقن عبادة أنه لا مناص من التوقف عن خوض حرب لا ناقة له فيه ولا جمل، فقرر قبل أيام الانفكاك من التعاقد مع الجيش الروسي مع أول فرصة سنحت له. وكتب على صفحته في فيسبوك: “أما الآن فقد انتهت محاولاتي، وتوقفت محاربتي، رميت أسلحتي وتركت أرض المعركة، لأنني أيقنت أن لا المعركة لي، ولا الحرب حربي، ولا أرضك أرضي، ولا أنا لك ولا أنتي لي، عبثت بديار ليست لي”. الراصد تواصل مع الشاب في 21 كانون الأول 2024، والذي قال حول ذلك؛ لقد توصلت إلى قناعة أن آخر ما يهم المشغل الروسي هو حياتنا، فهو يستنزفنا في سبيل أطماعه، لذا قررت التوقف عن الخوض في تلك الحرب لقد شاهدت بأم عيني كيف كان يعامل المصابين وكيف كان يترك جثث القتلى في أرض المعركة بلا مبالاة.
فخ جديد ومغريات كبيرة
بعد منشورات كثيرة أطلقتها “ب.إ” عبر قناتها في التليغرام “صديق روسيا” والتي حذرت فيها السوريين من الوقوع في فخ المخادعين من السماسرة، عادت مجددا للترويج للتجنيد بالحيش الروسي عبر الإغراء بحزمة من التسهيلات أبرزها منح قرض كبير للراغبين بالالتحاق بعد سفرهم إلى روسيا وتوقيع العقود، الأمر الذي قد يدفع بالكثيرين ممن أرهقتهم الفاقة للالتحاق غير آبهين بالموت المجاني الذي ينتظرهم هناك. فهل سيبقى الشباب العرب وقودا للحروب التي يديرها الغرب لمصالحه، وهل ستتمخض الأيام القادمة عن أصوات استغاثات جديدة لشبان قد يقعون في فخ الإغراءات بالمال والجنسية مقابل الموت بعيدا عن أوطانهم؟!