“مضيت إلى العراق تاركاً خلفي أبي وأمي الكهلين وأطفالي الصغار، أملاً في تأمين حياة كريمة لي ولهم، لكني اصطدمت هناك بواقع أقل مايمكن أن يقال عنه سيء، حيث تزداد ملاحقة السوريين بقرارات جائرة يوماً بعد يوم”، هذا ما قاله “وائل.ن” أحد المغتربين في العراق من أبناء محافظة السويداء، لـلراصد.
تعد معاناة السوريين في العراق واحدة من أكثر القضايا الإنسانية إلحاحاً في الوقت الراهن، حيث يواجه هؤلاء المغتربون تحديات متعددة تتعلق بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. بعد مغادرتهم وطنهم هرباً من النزاع المسلح والمخاطر الموجودة، بالإضافة للأحوال الاقتصادية المتردية التي شكلت الحافز الأكبر لسفرهم، ليجد العديد من السوريين أنفسهم في بيئة جديدة تتسم بالقيود الصارمة والضغوط المالية.
شكاوى عديدة وصلت الراصد من أبناء محافظة السويداء الذين يعملون في العراق، بعد أن اصدرت الحكومة المركزية في العراق تحديثاً لقانون الكفالة وقلصت مدتها الزمنية من 3 سنوات حتى سنة واحدة وبالتكلفة نفسها (3000 دولار أمريكي)، الأمر الذي شكل عبئاً مالياً إضافياً على هؤلاء العمال.
وأجمع عمال من أبناء الجالية من الذين تواصلوا مع الراصد على أن؛ متوسط أجر العامل السوري شهرياً في العراق لا يتجاوز 500 دولار شهرياً، وعليه فإن مجموع الأجور السنوية 6000 دولار ، وبالتالي وحسب القرار الأخير فإن نصف تعبهم سيذهب للكفالة. وبعد احتساب النفقات الأساسية، من طعام وشراب و أجور سكن ومصاريف أخرى، ومع التقتير في المصروف، فقد يصل بأقل تقدير الى 150 دولار ، وبالتالي لن يتبقى من الأجر الشهري أكثر من مئة دولار يرسولونها لعائلاتهم بينما كان الوضع قبل تغيير قرار الكفالة أفضل.
ويلجأ عدد كبير من السوريين العاملين في العراق إلى مخالفة قرار الكفالة والإقامة، والتواجد هنالك بشكل غير شرعي “تهر..يب”. ليضمنوا توفير المبلغ المفروض للحصول على الإقامة لإعالة ذويهم به. مايعرضهم في كل لحظة لخطر الاعتقال من قبل الدوريات العراقية وترحيلهم إلى بلادهم مع منعهم من دخول العراق لخمس سنوات إذا تم الترحيل بعد الاعتقال، أو لسنتين على الأقل إذا ماقام السوري بتسليم نفسه وطلب الترحيل، مع دفع غرامات مالية بمئات الدولارات.
“مجيد.ح” الذي لم يستطع أن يلقي نظرة الوداع على جثمان والده، بعد أن منعه رفاقه في العراق من طلب الترحيل قبل عام ونصف، حيث أقنعوه أن والده لن يعود للحياة إذا حضر أو لم يحضر دفنه، وأن باقي أهله بحاجة لعمله كي يتمكنوا من العيش. عاد قبل أيام ليتزوج، وبعد أن قام بتسليم نفسه للسلطات العراقية بقصد طلب الترحيل إلى سوريا، فرضت عليه غرامة مالية بمقدار 300 دولار كي لا يختم على جواز سفره ختمتً يمنعه من دخول العراق، إلا أنه فوجئ بعد استلام الجواز بأنه حرم من دخول العراق لمدة عامين.
فيما يقول “عمار.ج” للراصد؛ إنه اضطر أن يدفع بالإضافة للـ 300 دولار، 700 دولار إضافية لموظف الجوازات كرشوة، ليضمن عدم ختم جوازه بختم “ممنوع من دخول العراق”، وليحصل على تأشيرة جديدة للدخول مجدداً بعد انتهاء إجازته في سوريا.
في ظل هذه الظروف الاقتصادية القاسية، يلجأ العديد من السوريين إلى طرق غير قانونية لتجنب العقوبات في حال القبض عليهم بسبب عدم الالتزام بشروط صعبة التحقيق، مثل تخطي المدة الزمنية في شروط الكفالة، أو ذهابهم من أربيل إلى بغداد بطريقة مخالفة للقوانين المشروطة على السوريين فالبعض يدفع مبالغ مالية لتفادي منع دخول البلاد، بينما قد يضطر آخرون لدفع رشاوى لضمان عدم تعرضهم للمساءلة القانونية بذريعة عدم الالتزام بالشروط المفروضة، بالإضافة لحرمانهم من الدخول مرة أخرى للعراق لمدة قد تصل لخمسة سنوات أو مدى الحياة، كما يمكن أن تطالهم عقوبات صارمة تشمل السجن والغرامات، وفي حال عدم توفر مستحقات الغرامة يتم الاحتجاز حتى يرسل ذويه المبلغ المطلوب، مما يزيد من تعقيد وضعهم ويجعلهم يشعرون بالحصار والانكفاء عن التنقل بين مكان و آخر ضمن العراق.
كما قد يشكل عامل الخوف من الترحيل عائقاً أمام إيجاد فرص عمل جديدة أكثر راحة وأجراً، ويجعلهم فريسة سهلة لبعض المشغلين الذين قد يبتزونهم وينكرون حقوقهم، مستغلين ظروفهم القانونية.
علق أحد المتابعين على تقرير أعده الراصد سابقاً: “إن هذه الظروف ليست مجرد أرقام أو قرارات حكومية، بل هي تجارب إنسانية ومحرقة سياسية لا يدفع ثمنها إلا الفقراء والتي تعكس واقعاً مؤلماً،يسعى هؤلاء العمال لتأمين لقمة العيش لأسرهم، لكنهم يجدون أنفسهم محاصرين في دوامة من المعاناة. فإن التحديات التي يواجهها السوريون في العراق تتطلب اهتماماً عاجلاً من المجتمع الدولي والجهات المعنية، إذ ينبغي أن يكون هناك دعم فعال لمساعدتهم على تجاوز هذه الأزمات المتفاقمة”.
“مصطفى.ن” شاب من السويداء، ألقت إحدى الدوريات العراقية القبض عليه، خلال مداهمة للمطعم الذي كان يعمل به في الموصل بعد وصوله للعراق بأسبوعين فقط، وأودع السجن حتى قام ذويه في السويداء بجمع مبلغ 1200 دولار لإطلاق سراحه وترحيله إلى سوريا، زعم في حديث للراصد؛ أن آمر الدورية التي اعتقلته قال له ولرفاقه من السوريين: (والله إننا نحب السوريين ولكن هذا ماتريده حكومتكم). العبارة التي لايزال مصطفى عاجزاً عن فهمها جيداً، حيث يقول أمعقول كما فهمت أن حكومتنا اتفقت مع حكومة العراق للقبض على الشبان السوريين وترحيلهم. (يعني لابيرحموا ولابخلوا رحمة الله تنزل) ختم مصطفى.
وكانت وزارة العمل العراقية صرحت في آذار 2024، عن وجود 42 ألف رخصة عمل مسجلة بشكل نظامي في العراق يشكل السوريين أقل نسبة فيها بحيث لاتبلغ 5 بالمئة. فيما يتصدر السوريون قائمة العمالة غير الشرعية بحوالي 300 ألف سوري.