تقارير

في مديرية الموارد المائية، كاميرات معطلة، وحارس غائب، ما الحكاية؟!

لجأ الكثيرون من الذين طالتهم أصابع الاتهام في قضايا تخص الفساد إلى إخفاء الوثائق التي تدينهم وإتلافها بطرق عديدة، ولكن الحرائق المفتعلة كانت أكثر الأساليب التي اعتمدها هؤلاء، لذا أصبح أول ما يتبادر إلى أذهان العامة عندما يقع خطبٌ ما في أحد دوائر أو مؤسسات الدولة الخدمية، أن هذه الحرائق مُفتعلة بهدف إتلاف وثائق وسجلات تُخفي بين طياتها تجاوزات قانونية وقضايا فساد كبيرة تشاركت بها شبكة من الإداريين وعملاءهم في تلك المؤسسات.

فهل كان الحريق الذي طال مكتبي المدير العام لمؤسسة الموارد المائية ورئيس مكتبه مفتعلاً؟!

أكد بيان أصدره فوج الإطفاء في السويداء، أمس الأربعاء على صفحته في فيسبوك، أن النيران التي اندلعت أمس في مديرية الموارد المائية تركزت في مكتبي المدير ورئيس مكتبه والتهمت كامل محتويات المكتبين، دون أن يصرح الفوج عن أي معلومات حول سبب الحريق، لكن أغلب المعلقين على البيان شككوا بطريقة غير مباشرة بأن الحريق حدث بفعل فاعل وذلك بإشارة مبطنة إلى أن الحريق سببه “ماس كهربائي” كما يحدث في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة بعد أن تعلن أية جهة من جهات المساءلة الرقابية المباشرة بفتح تحقيق في ملفات هذه المؤسسة أو تلك.

وإذا افترضنا جدلاً أن تحقيقا حصل بشأن الحادثة وأسفر ذلك التحقيق على أن سبب الحريق هو “ماس كهربائي”، فكيف حدث هذا “الماس” إذا علمنا أن مكتبا المدير وسكرتيره لا يحتويان على سخان كهربائي لتسخين إبريق “المتة”، ولا على مدفأة كهربائية لتحميص “لقمة الفطور”، أو على مدفأة غاز في هذا الطقس الحار نسبياُ؟!.

ماذا يقول المنطق؟

استناداُ لما سلف وبالمنطق لا يمكن لذلك “الماس الكهربائي” المفترض التهام المكتب، إلا إذا رُتب عمله بشكل جيد وبتقنية عالية. ولكن المنطقي أن وجود ملفات ووثائق وعقود تحبس في داخلها أسماء قد يسجن أصحابها إن افتضح أمر فسادهم قد يحدث “ماسا كهربائيا” لو قيض له أن يصهر حجارة المكتب التي شهدت على أي تجاوز لما توانى.

معادلة كيميائية!!

جميعنا يعلم أن النار لا يمكن أن تشتعل إلا بواسطة مصدر خارجي (كعود الثقاب أو الشرارة الكهربائية أو الاحتكاك أو تركيز أشعة الشمس بواسطة المُكَبّرة)، ولكن ما لا يعلمه الجميع أن هناك طريقة أخرى لإشعال النار وهي عن طريق تفاعل كيميائي بين مادة وقود قابلة للاحتراق، ومادة مُؤكسِدة وحرارة عالية، (طبعا هنا تمثل ملفات الفساد الوقود، والفاسدون هم المؤكسد وجهاز الرقابة والتفتيش هو الحرارة)، وبطبيعة الحال ليتخلص المؤكسد من الحرارة عليه أن يحرق الوقود.

ولكن ماهي الملفات التي تم إتلافها؟!

كشفت شبكة #الراصد في السابع من أيار الجاري، عن عودة موظفي جهاز الرقابة والتفتيش للتدقيق في عقود شراء بواري ومعدات وإكسسوارات خاصة بآبار مديرية الموارد المائية وتعود هذه لأكثر من عامين مثل العقد رقم 36 وهو توريد إكسسوارات للآبار بقيمة 190 مليون ليرة، والعقدين 52، و53 وهما توريد بواري (مزيبقة) للآبار بقيمة نصف مليار ليرة سورية. بالإضافة لملفات عديدة لآبار مياه “مُنومة” منذ سنوات، وكذلك “حفيرة المنيذرة” وسدات “الكفر والقريا” أو “معطلة” والأمثلة كثيرة.

وبين #الراصد نقلا عن مصادر خاصة، ضياع مئات ملايين الليرات هدراُ على يد إداريي المؤسسة وشركاءهم من دمشق، وعن محاولات جهاز الرقابة والتفتيش متابعة التحقيق وتوقفه لأشهر وسنوات نتيجة الضغط أحياناُ والتآمر أحياناً أخرى.

فيما كشفت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية في تقرير لها بتاريخ 12 تموز 2020، عن نقص كبير في عدد المضخات والبواري وقطع التبديل في مستودعات المديرية لم تستطع اللجان تقدير قيمته بعد عملية الجرد، فيما اكتشفت نقصا في الكابلات قدر حينها بحوالي ١٥٣ مليون ليرة سورية وفق الأسعار المعتمدة من الشركة العامة لصناعة الكابلات بدمشق عام 2019. وذكرت الصحيفة وقتها أن “محمود ملي” مدير الموارد المائية في السويداء قد خاطب الهيئة العامة للموارد في دمشق وأحيل الموضوع للجهات الرقابية!!!

في المحصلة من خلال ما تقدم فهنالك الكثير من المعطيات حول أسباب الحريق والمتهمون بافتعاله، على خلاف حريق مبنى المحافظة الذي لايزال مجهولاً حتى الآن. ومن الأرجح أن ماتنبأ به المواطنون حول سبب الحريق سيكون خلاصة أي تحقيق بهذا الشأن، بما يتناسب مع صعوبة ترجيح أن تصل التحقيقات إلى فاعل في مديرية يتحكم بها الإداري بقوت وحياة الموظفين وبالحارس وكاميرات المراقبة “التي يتم تعطيلها” هذا إن “وجدت”، فيما يرى مواطنون آخرون أن التحقيق ربما يخلص إلى اتهام المواطنين المُحتجين على نقص المياه (كما اتهم متظاهرو أواخر العام الماضي بإحراق ملفات الفساد في مجلس المحافظة!!)، والذين بدورهم نفوا هذه التهمة ونسبوا فعل الإحراق لمسؤولين حكوميين مرروا ذلك الحريق ليضربوا عصفورين بحجر واحد.

أدلة تحتاج إلى شهود وتحقيق شفاف

مصادر غير رسمية قالت ل #الراصد إن كاميرات المراقبة داخل مديرية الموارد المائية معطلة منذ سنوات، علماً أنها كانت مفعلة أيام المدير السابق المهندس وليد عقل. فيما قالت نفس المصادر إن هناك من كان في المديرية بعد الدوام الرسمي وخرج منها بين الساعة الخامسة والنصف والسادسة، وهو ليس الحارس؟.
كما تساءلت المصادر عن كاميرات المراقبة في مستودعات المديرية التي سرقت أيضاً، وخاصة الأكبال التي حملت من المستودع، ولم يكتشف اللصوص حتى الآن.

هل سيتم تشكيل لجنة مساءلة رقابية جادة حول الحريق؟ أم ماذا؟!

تساءل الكثير من رواد مواقع التواصل في تعليقاتهم على الفيديو الذي تم تداوله أمس حول إمكانية انبثاق لجنة قضائية للتحقيق في الحريق وأسبابه، فيما تساءل آخرون في تعليقات أقرب للسخرية؛ هل سيُشكل لجنة “مُستعجلة”  للتحقيق مع الرفاق مدير ورؤساء أقسام مديرية الموارد المائية لمدة أشهر وربما سنوات إلى أن” يموت الذئب ويفنى الغنم” وتذهب القضية أدراج الرياح، كما كان مقررا بعد إحراق “مبنى المحافظة”؟! ولكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ أين التحقيقات التي قال عنها أمين فرع حزب البعث في أكثر من مناسبة بشأن حرق مبنى المحافظة. كما أن هناك سؤال أيضاً: ما علاقة حزب البعث في هذا الشأن الذي يخص القضاء وحده. ولماذا عممت أسماء مئات المواطنين الذين لا علاقة لهم بالحريق من قريب أو بعيد؟.

من المستفيد من دثر الحقائق.. هل هو المستفيد من ظهورها؟ أم المستفيد من إخفاءها؟ من فعلها؟

بالعودة إلى الرابع من كانون الأول من العام الماضي، نرى أن كاميرات الأجهزة الأمنية والإعلام والناشطين التي رصدت حريق مبنى المحافظة ومئات الأوراق المتناثرة وأجهزة اللابتوب وجرات الغاز يومها، والتي شاهدها العالم تحترق أو تخرج من مبنى المحافظة، لم ترصد جهاز لابتوب واحد وقع بأيدي من تطلق عليهم السلطات الأمنية اسم المخربين (كناية عن المحتجين)، ولم يظهر خلال الأشهر الماضية أية معلومة تؤكد أن المقتحمين للمبنى قد كشفوا عن ملفات هامة أو معلومات سرية، وكان حرياُ بمن خرج مطالباً بحقه أن يبحث عن أي مستند أو دليل يظهر حقه ويحافظ عليه.. إذا أين ذهبت؟.

مشاهدات سجلتها الكاميرات ولم تلفت انتباه الناس…

استطاعت مجموعة من المواطنين أن تدخل بين المتظاهرين بداية احتجاجهم المقرر في محيط دوار المشنقة، لتقوم باستدراجهم إلى أمام مبنى المحافظة، وعندما ارتفع سقف الشعارات غادر موظفو المحافظة من الباب الرئيسي أمام المتظاهرين، فيما غادر أعضاء المجلس من الأبواب الخلفية، ليغادر الحرس والضباط إلى مبنى قيادة الشرطة المجاور عبر نفق يربط المبنيين بعدما أغلقوا الباب من الداخل، بشكل يوحي للمتظاهرين بخلو المكان ويدعوهم بشكل غير مباشر لاقتحامه. ليظهر بين المحتجين ملثمون ويبدأون برمي الحجارة على الأبواب.
في الوقت ذاته وقفت سيارة أمام مبنى التربية وبدأت بجمع أجهزة اللابتوب والهاتف وغيره من المقتحمين الملثمين، وسامحتهم بجرار الغاز وبعض شاشات التلفزيون.

أما الحصيلة النهائية فكانت إحراق المبنى، ثم معاودة ترميمه على حساب تجار وصناعيي السويداء، وبالتالي على حساب الأهالي، ثم اتهام المحتجين بالعمالة والتقاضي من جهات خارجية، وإفراغ الاحتجاج الشعبي والمظاهرة من مضمونها الحقيقي، وخلق ردة فعل معادية للمحتجين، ووأد حالة الاحتجاج السلمي والتظاهر. والأدهى من هذا إدراج أسماء معظم المعارضين والناشطين المدنيين في سجل المطلوبين للأجهزة الأمنية والعدالة بتهمة إحراق مبنى المحافظة بما فيهم المتغيبين عن هذه المظاهرة.

والخلاصة أنه لا يمكن إشعال حريق إلا لهدف، إما إخماد احتجاج أو تذمر أو إتلاف، وغالباً ما يُنهي حقبة من الفساد ويطوي صفحة ليفتح صفحات جديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى