رأي

خطاب الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في السويداء، هل بلغ نقطة اللاعودة؟!

بالرغم من فقدان الثقة بالمؤسسة الدينية خلال سنوات عديدة، لايمكن للإنسان إلا الوقوف أمام البيانات الأخيرة للرئاسة الروحية للموحدين الدروز، وآخرها بيان اليوم الذي أطلقته بمناسبة حلول أعياد الميلاد ورأس السنة، لتهنئة أبناء الطوائف المسيحية..

جاء البيان ليفتح ملفاً شائكاً ومعقداً وفي سياق الحديث عنه يمكن توصيفه بأن فيه إعلان المواجهة مع الحكومة في دمشق، حيث طالب البيان بمعرفة مصير المغيبين قسراً، وهو الملف الأشد تعقيداً والذي لايستطيع النظام في دمشق تقديم أجوبة عليه..

الرئاسة الروحية لم يسبق لها أن تسمي هذا الملف باسمه الصريح، سيما أن مصطلح التغييب القسري هو مصطلح قانوني، بمجرد الإقرار بوجوده، فإنه اتهام مباشر للنظام بأشد أنواع الانتهاكات، وهو اتهام لايحتمل المواربة..
وكان البيان واضحا بأن مصطلح “المغيبين قسراً” المقصود به هم المعتقلون من قبل الحكومة المركزية بدمشق حيث قال “نسأل ونتساءل مع الجهات المختصة ، أين هم ابناؤنا المغيبون قسرا”

البيان كذلك تقصّد الإشارة لكلمة شهيد بطريقة ذكية ولافتة، حيث حصر الشهادة بصدق الانتماء دون توجه، ودون تبعية لأحد، ممن قضوا لرفع الحيف عن أهلهم حيث قال “نترحم بداية على كل عربي سوري قضى شهيدا على ارض الوطن ، مهما كان انتماؤه او شريحته او موقعه ، ممن كانوا يحملون صدق انتماءٍ دون توجيه ، ودون تبعية لاحد ، ممن قضوا بصدق وقوفهم ، ليرفعوا الحيف عن اهلهم ، وليذودوا عن حياة العزة والكرامة والعيش الكريم”

ولم يتوقف البيان عند هذا الحد بل تطرق للحديث عن إذلال الشعب الحر، وأضاف أن هذا الشعب لن يكل في طلب حقه، مهما ابتكروا أساليب في قمع الأصوات، اذاً يقول البيان أن الشعب الحر هو الشعب الذي وقف في وجه حكومة دمشق وتعنتها، وهنا أيضا يتجاوز البيان الخطاب التقليدي باستخدام عبارة الشعب الحر وماتحمله من دلالة منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية عام ٢٠١١، بل قال إن هذا الشعب الحر واجه أعتى قوى الشر، هذه القوى التي تعمل على إسكات الناس، فأي خطاب أوضح في اعتبار هؤلاء، بأنهم “أعتى قوى الشر”، حيث جاء في البيان حرفياً؛

“مهما حاول الفاسدون المفسدون في وطننا تبرير فسادهم ،او ترحيل المسؤوليات الى غيرهم ، او نقل الاخطاء الى غير مواقعها ، ومهما حاولوا اذلال شعب حر واجه أعتى قوى الشر ، ولن يكل في طلب حقه ، ومهما ابتكروا من اساليب لقمع الاصوات ، وردع كلام الحق ، ووأد المطالب تحت نيران فاسديهم ، وبث العابثين منهم بين صفوف الناس ، فلن تغيب شمس الحقيقة”

البيان الذي لم يتجاهل توجيه التحية لكل المحافظات السورية، وقد خص درعا بالتحية فهي شريك الدم والتاريخ مع السويداء، لكن برأينا البيان الأكثر حدة، والأشد وضوحاً بين البيانات العديدة التي صدرت عن الرئاسة الروحية، وهو الذي يحمل ما يحمل من مفردات قانونية، ودلالية لايمكن تجاهلها…. لربما يصح التعامل مع هذا البيان تحديدا بأنه تحوّل في الخطاب الموجه من المؤسسة الدينية، وهذا التحوّل الذي تم التمهيد له كثيرا في خطابات سابقة قد يكون حاملا لانعطاف على المستوى الاجتماعي قبل السياسي في السويداء… ولكن مهما تطورت الخطابات فليس ثمة أمل من أن السويداء تستطيع أن تشكل محركا للحدث السوري، بل هي الأكثر قدرة على أن تكون داعما لأي تحرك…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى