أماكن
أخر الأخبار

كناكر بوابة المدينة التي غدرها الغزاة

الراصد – غيداء الصفدي

لم يعد في كناكر سوى الدخان، البيوت التي كانت مضاءة بالمصابيح، انطفأت تحت وهج النيران. في شوارع القرية الصغيرة، ارتسمت آثار الدبابات على الإسفلت الطيني، وفي القلوب ارتسمت خسارة لا يمحوها الزمن: ثلاثون شه.يداً، وقرية كاملة تنهشها الذاكرة كلما حلّ المساء.

أحد البيوت التي أحرقها المسلحون المهاجمون في قرية كناكر – خاص الراصد

ليلة الهجوم

عند الساعة السادسة مساء من يوم 13 تموز 2025، بدأ إطلاق النار، أصوات الرصاص والرشاشات غطت على أصوات الأطفال والنساء الذين احتموا داخل البيوت.

أربعون شاباً فقط حملوا بنادقهم البسيطة للدفاع عن بيوتهم، حيث استمرت المواجهة حتى منتصف الليل، ومع كل ساعة كان الدم يسيل أكثر، لكن القرية بقيت صامدة.

مع فجر اليوم التالي؛ عاد المهاجمون بالمئات من وزارتي الداخلية والدفاع وعشائر البدو، مدعومين بأسلحة ثقيلة: عربات مدرعة، دبابات، بي إم بي”، إضافة إلى الطائرات المسيرة التي قصفت كل تجمع لأبناء القرية.

يقول أحد الناجين في شهادته لـ #الراصد:
“كنا نسمع صوت الجنازير يقترب شيئاً فشيئاً، ومعه تقترب المواجهة غير المتكافئة”.
قاتل الشبان حتى الرمق الأخير. ارتقى خمسة عشر شهيداً من أبناء القرية، وجُرح مثلهم، فيما تمكن عشرة فقط من الانسحاب باتجاه مدينة السويداء.

أسماء محفورة في الذاكرة

ودّعت كناكر أبناءها الخمسة عشر شهيداً، وفي مقدمتهم إمام القرية الشيخ أبو كمال فارس القنطار، الذي لم يكتفِ المهاجمون بقتله بل أقدموا على حرق جثمانه بوحشية.
كما استشهد في “الفزعة” خمسة عشر شاباً من بينهم شباب من القرى المجاورة التي لبّت نداء الاستغاثة. هكذا صارت دماء الشهداء جميعاً عنواناً لوحدة الألم، لا يفرّق بينها نسب ولا عائلة.

أما قائمة المصابين، فتمتد لتشمل رجالاً ونساءً، بينهم إقبال رضوان التي كانت ترافق أبناءها الجرحى في سيارة إسعاف متجهة إلى المشفى، فتعرضوا جميعاً للقنص عند مدخل القرية. أصيبت رضوان برصاصات عدة، وأصيب أولادها المصابون أصلاً بجروح مضاعفة.

أحد البيوت التي أحرقها المسلحون المهاجمون في قرية كناكر – خاص الراصد

ما بعد المعركة

لم يتوقف الألم عند الشهداء والجرحى، بل امتد إلى الأرض والبيوت. بئر المياه الوحيدة التي كانت شريان حياة القرية، دُمّرت بالكامل. المركز الصحي سوّي بالأرض. أما المنازل، فقد تعرضت أولاً للنهب، ثم أُحرقت بلا رحمة.

يقول أحد أبناء القرية للراصد: “لم يتركوا لنا شيئاً … أخذوا ما استطاعوا حمله، ثم أشعلوا النار في قلوبنا وبيوتنا معاً”.

حافلة أحرقها المسلحون في كناكر – خاص الراصد

حلم عروس لم يكتمل

“آخر خبر وصلني عن بيتنا إنهم كسروا كل شي فيه وبعدها حرقوه؛ كأنهم حرقوا قلبنا معه. تعب عشرين سنة ضاع بلحظة”. قالت تالية إحدى سكان القرية.

وتضيف بحرقة عن خسارة “جهاز” عرسها: “كنت أجمعه قطعة قطعة من مصروفي، أختار كل غرض بحلم كبير، وبلحظة واحدة تبخرت كل أحلامي مع البيت، ولم يبق غير الحسرة… على بيتنا، على تعب أهلي، وعلى ذكريات لم يعد لها وجود. البيت ومحتوياته ليسوا أغلى من الذين راحوا، لكن الذكريات مرَة”

قصة تالة ليست مجرد فقدان منزل، بل خسارة عمر كامل. بيت العائلة في كناكر كان حصيلة جهد عشرين عاماً، لكن ما يعمّق جرحها هو سرقة الظلاميين أحلامها وفستانها الأبيض الذي لطخته أياديهم بدماء أهلها وأقاربها.

قرية بلا مفقودين… لكن مثقلة بالجراح

رغم حجم الكارثة، عُرف مصير جميع أبناء كناكر: شهيد، جريح، أو ناجٍ. لم يبقَ أحد في عداد المفقودين. لكن الوجع أكبر من أن تحمله قرية صغيرة كانت قبل أسابيع فقط تنعم بالهدوء.

كناكر، التي لم يكن يعرفها الكثيرون خارج حدود السويداء، باتت اليوم شاهداً جديداً على مأساة إنسانية تتكرر: قرى تُحرق، عائلات تُشتت، وأحلام تُدفن تحت الركام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى