تقارير

قيادة “الكراهية” وصناعتها، ودور وسائل التواصل الاجتماعي!!

لا يختلف اثنان أن بعض المواقع الإعلامية الاخبارية المحلية في سياق النزاعات وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي استطاعت أن تستقطب جمهوراً متنوعاً ومختلفاً في آن، وجاء ذلك نتيجة السرعة في نقل الخبر المحلي وبالأخص الخبر ذو المحتوى المثير للمشاعر الإنسانية كأخبار “الجريمة والنزاعات المحلية والحوادث” التي تلقى تفاعلاً أسرع وأكبر من غيرها.

وبالتالي استطاعت هذه المواقع والمنصات على اختلاف توجهاتها السياسية الحصول على النسب الأعلى من المتابعين. الأمر الذي أدى إلى تسويق الأفكار والآراء المتباينة وخلق حالة من الجدل ضمن جمهور متباين.

ولأن الجمهور في فترة النزاعات من السهل استفزازه عاطفياً من خلال إثارة العصبيات العائلية والعشائرية والطائفية وحتى الحزبية والعقائدية، تصبح آلية تناقل الأخبار في هذه المنصات في مرات كثيراً عاملاً أساسياً في رسم سياق الشارع وتأجيج الكراهية أو خفضها.

وترى الاختصاصية النفسية “ر س”: “قوة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي تكتسبها من افتقاد الجمهور المتلقي لأدنى مقومات الحياة الكريمة مثل الكهرباء والوقود وحتى المياه أحياناً، كما أن ظروف الحرب ساهمت بنشأة جيل من الأطفال والشباب وجد في وسائل التواصل المتنفس الأسهل والمَهْرب الأكثر حضوراً وإمتاع، وهذا في حد ذاته يؤدي إلى استلاب العقول لمحتوى غير منظم وغير مدروس في غياب أي توجيه أو إدارة مسؤولة. وكل تلك الظروف ساعدت القائمين على منصات التواصل الاجتماعي لتوجيه العقول وتحريضها وخلق جدار من الكراهية تجاه أي فعل يتجاوز صندوق التأطير”.

وتضيف: لو تابعنا إحدى المجموعات المفتوحة المحلية المعروفة نجد فيها الدعاية والإعلان والجريمة والتشهير بالأشخاص والتحريض الجماعي وحتى المشاهد المخلة بالحياء والآداب العامة.
وهذا بمجمله يخلق انعكاساً سلبياً لدى المتابع يبدأ من موقف ضمني عدائي ولا يتوقف عند خطاب كراهية”.

وفي الوقت الراهن صبت بعض وسائل التواصل الاجتماعي الموجهة اهتمامها للتحريض على انتفاضة السويداء من خلال مواقع شخصية باتت معروفة لدى الجمهور السوري، وتقوم هذه المواقع بتضخيم الأخطاء إن وجدت والتشهير بالأشخاص والتحريض على المشاركين في الحراك الشعبي محلياً وخارج حدود المحافظة لتطال كامل سكان المحافظة بالتخوين والتأطير الطائفي وحتى الإساءة الجماعية لهدف بلورة خطاب كراهية محلي بين أبناء المحافظة، وآخر خارجي مع المحافظات الأخرى.

تقول طالبة في إحدى الجامعات السورية للراصد: في إحدى الجلسات الطلابية لم يخجل أحد أعضاء الهيئة الطلابية من التلفظ بألفاظ نابية على المشاركين في انتفاضة السويداء وتحدث بشكل تحريضي على النساء المشاركات بالحراك الشعبي، مدعياً أنهن وجدنَ فرصة للرقص والغناء، كما قالت.
وليس بعيداً عنه ما سمعناه بتسجيل صوتي لإحدى المذيعات الشهيرات حين قالت: (استغرب عدم وجود من يُسكت النساء المتظاهرات في السويداء). وتساءلت (أما من رجل عاقل محترم يضب الشاردات في ساحة السويداء؟.. أنا لستُ نسوية ولم أكن ولن أكون.. وأؤمن أن حياء المرأة وهيبتها لا تكون إلا أمام الرجل، بل إن هيبة الرجل نفسه تضيع بوجود مثل هؤلاء الناقصات).

لم يتوقف بث خطاب الكراهية عند الناشر؛ بل تعداه إلى جمهور من المتابعين الذين وجدوا في التعليق على أخبار وصور الحراك الشعبي طريقة للتحريض وإثارة النعرات الطائفية وخاصة باستخدام خطاب موجه إلى المرأة لما يثير هذا الخطاب من حفيضة الذكور تجاه الإناث خصوصاً، وتجاه مكونات المجتمع الآخر عموماً.

حراك السويداء تجاوز مرحلة الدفاع عن النفس وحاول بعد ذلك تصدير خطاب من المحبة في مواجهة خطاب الكراهية، وبالتالي حافظ على زخمه، وقد ساهمت عدد من وسائل التواصل الاجتماعي في التصدي لخطاب الكراهية الموجه والتقليل من مفاعيله وفي الوقت نفسه منع تصدير خطاب مماثل مضاد.

من جهة أخرى كان لابد من توجيه خطاب توافقي لا يلغي الطرف الآخر أو الشريك في الوطن، فالانتفاضة ليست جهة حزبية أو كيان سياسي بديل عن السلطة والحزب الحاكم بل هي فرصة للحقوق العامة والمواطنة والتعددية وفي هذا خطاب جامع مناهض للخطاب الفئوي والعصبوي وبالتالي مناهض لمبررات خطاب الكراهية.

الرسم للفنان فادي الحلبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى