عن الغضب من حراس الآبار!!
مقال رأي
برأينا أن لا شيء ممنهج ضد السويداء بهذا المعنى، فالواقع المائي وواقع الخدمات في الساحل وحلب، بالسوء ذاته، وأبناء سوريا يغادرونها عن بكرة أبيهم دون التفات حتى
ليس صحيحاً أن الشارع غير غاضب، ولا يعبر عن احتجاجه بين الحين والآخر، افتح صفحات الفيسبوك والمواقع الإخبارية المحلية، إقرأ التعليقات وانتبه، هناك غضب حقيقي في الشارع، فبعد أزمة المياه لن يسكت أحد، لن يصمتوا، هاهم بكل أنفة ورفعة، يضعون يدهم على الجرح، ويهاجمون حراس الآبار، وموظفي الفئة الخامسة المسؤولين عن تشغيل المياه بالأحياء والأرياف، فالشعب كما نعلم “واعي” و أي وعي، الوعي الذي لولاه “لتدمرت البلد” كما قال أحد ضيوف الإخبارية السورية ذات مرة، الوعي الذي لولاه لانهار الاقتصاد منذ عشر سنوات كما قال “عرنوس”، هذه الوعي الذي دأبت وسائل الإعلام الرسمية وفئة من المنتفعين الحديث عنه وانتهى بتحميل مسؤولية الانهيار لحراس الآبار وموظفي شبكة المياه…
ليس صحيحاً أن الفساد مبرراً، ولا مقبولاً ولكن كذلك ليس صحيحاً أن آخر خيوط الفساد وحلقته الأضعف هو المشكلة، ولكن بطبيعة الحال إن الثورة على حارس البئر هي تماماً ما يراد للشعب، فتحويل القضايا، وتدوير الزوايا حرفة يعرفها الفاسد جيداً.
يزيد سوء الخدمات في كل سوريا “وبرأينا أن لا شيء ممنهج ضد السويداء بهذا المعنى، فالواقع المائي وواقع الخدمات في الساحل وحلب، بالسوء ذاته، وأبناء سوريا يغادرونها عن بكرة أبيهم دون التفات حتى، كل السوريون مكلومون، وهذا يثبت في نهاية المطاف أن المشكلة ليست في حارس البئر بل في “حارس” البلد”.
وفي لحظة سوء الخدمات هذه، يظهر لنا الحديث عن المشاكل اليومية، ويصبح أصغر موظف في البلاد متهماً بأعين أهله، ويتجاهل هؤلاء أن “الدولة” انهارت مع إطلاق”عرنوس” كلمته في مجلس الشعب التي مهد فيها لرفع الدعم نهائياً وترك الناس لمصيرهم، وأشار للسياسات التي أسماها “وطنية” والتي بدأت منذ عام 2005 والتي أودت في نهاية المطاف لخصخصة كل شيء، والتي أدت لتضخم بين 2005و 2011 كان ينذر بثورة أو بدون ثورة بأزمة اقتصادية وشيكة..
وهنا حتى “عرنوس” نفسه، قال إنه محكوم لسياسات “وطنية” وهو صادق في قوله، فمن يعرف دستور البلاد يعرف أن الدستور أعطى الرئيس كل شيء، فالحكومة تنفذ أوامر، ومجلس الشعب يصفق، وحده الدستور يقول من يحكم..
الكثير من الموظفين اليوم يتعاملون مع الفساد على أنه سلاحهم الوحيد في وجه البقاء، الفساد الذي يرفع دخلهم من ثمانية دولارت إلى ثلاثين دولار شهرياً، هم لصوص ضحايا، “لصوص شرفاء” يطعمون أولادهم، في حين ثمة لصوص يأكلون لحم أولادنا، يسرقونا ليس من أجل أن يأكلوا، بل من أجل أن يدوسونا، لقد أعلنوها نهايةً “هذه بلادنا ولكم الشتات”، واليوم تتوجه “الحكومة” مأمورة لترفع أسعار الغاز والمازوت والخبز قبل حلول الشتاء، ليس بسياساتها بل تبعاً للسياسات “الوطنية” المعتمدة من قبلها إلى ما بعدها وما بعد بعدها..
لذلك إن الغضب من حارس البئر هو جهلنا في حقنا، ولهاثنا خلف ما يلهينا عن مصابنا، فهل حان الوقت لنجعل حارس البئر شريكاً في الغضب، يصرخ معنا بأن “حقي عيش، بدون سرقة” ربما هذا فقط ماعلينا فعله، تحويل الموظف إلى شريك في الغضب وليس هدفاً لهذا الغضب، فالسبب ينظر إلينا جميعاً ويضحك حين نتخاصم.