استثمار في المستقبل أم هدر للأجيال؟ تسرب الأطفال من المدرسة يسرق مستقبلنا!!
أين يذهب مستقبل المجتمع حين يتسرب أبناؤه من مدارسه؟ هذا التساؤل يطرح نفسه بقوة في ظل الأزمة التعليمية التي تشهدها سوريا، حيث باتت ظاهرة التسرب المدرسي من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع. فما هي العوامل التي أدت إلى تفاقم هذه الظاهرة، وما هي التداعيات المترتبة عليها؟ وهل هناك حلول يمكن أن تساهم في الحد من هذه المشكلة؟ أسئلة تستحق البحث والإجابة لتسليط الضوء على واحدة من القضايا الملحة في سوريا .
في السنوات الأخيرة بدأت سوريا تشهد كارثة تعليمية حقيقية، حيث أظهرت الإحصائيات ارتفاعاً مقلقاً في معدلات التسرب المدرسي.
وكان تقرير أصدره مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة حول الاحتياجات في سوريا، قال؛ إن نحو مليونين ونصف مليون طفل متسرب من المدارس في سوريا، أعمارهم تتراوح بين 6 و17 عاماً.
كما أشار التقرير ذاته إلى أن الحكومة السورية سحبت 90% من الدعم المخصص للتعليم، وخفضته من 1.7 مليار ليرة دولار إلى 228 مليون دولار.
فيما ذكر تقرير لمنظمة اليونيسيف في شباط من العام الجاري؛ أن عدد المدارس التي تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي، تجاوز 4 آلاف مدرسة منذ منتصف 2011 ( 40% من إجمالي عدد المدارس في سوريا).
كما كشف مصدر من مديرية التربية في السويداء للراصد في شهر أيار المنصرم عن زيادة أعداد المتسربين من المدارس في المحافظة لهذا العام، لافتاً إلى أن نسبة التسرب من مدارس المحافظة 10 بالألف من نسبة المتسربين في باقي المحافظات، مشيراً لضرورة علاج الموضوع قبل أن يتفاقم.
الأرقام المطروحة تشير إلى تصاعد نسبة التسرب في كل عام دراسي جديد، حيث ارتفعت النسبة السنة الماضة عن سابقتها بمعدل 6 بالألف فيما ارتفعت النسبة السنة مجدداً ولكن دون إشارة رسمية إلى نسبة الارتفاع.
و إذا ما بحثنا في الأسباب نجد أن من أهم الأسباب التي ساهمت بتوسع ظاهرة التسرب المدرسي في سوريا، التدمير واسع النطاق الذي طال البنية التحتية للتعليم، وأيضا نقص الكوادر التعليمية، وارتفاع تكاليف التعليم والفقر المدقع والوضع الاقتصادي المتردي، ونقص الموارد التعليمية، وتدني جودة التعليم، وعدم وجود بيئة تعليمية محفزة.
و تحمل ظاهرة التسرب المدرسي في طياتها تداعيات خطيرة على الفرد والمجتمع على حد سواء. فالأطفال الذين يتسربون من المدارس يفقدون فرص الحصول على عمل لائق، ويعانون من صعوبات في الاندماج في المجتمع، كما أنهم قديشكلون عبئاً على الاقتصاد الوطني في المستقبل. حيث سيفتقر الجيل القادم إلى الكثير من المهارات والمعارف. ولمواجهة هذه الظاهرة، يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات العاجلة والطويلة الأمد، من بينها، العمل على إعادة تأهيل المدارس المتضررة وتزويدها بالموارد اللازمة، و توفير الدعم المالي للعائلات الفقيرة لتشجيعها على إلحاق أطفالها بالمدارس.كما يجب أن يتم السعي لتقديم برامج تعليم غير رسمي للأطفال الذين لا يستطيعون الالتحاق بالمدارس التقليدية بالتزامن مع تنظيم حملات توعية بأهمية التعليم وأثره على المستقبل،
وأخيراً، إن ظاهرة التسرب المدرسي في سوريا تشكل تحدياً كبيراً، ولكنها ليست مستعصية على الحل. فبالتعاون بين الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية، يمكن وضع حد لهذه الظاهرة وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة. يجب أن ندرك جميعاً أن الاستثمار في التعليم هو الاستثمار في المستقبل.