هل تنقذ المبادرات الأهلية الواقع التعليمي من الانهيار؟!
يعاني القطاع التعليمي أسوة بمختلف القطاعات الخدمية في سوريا من ترهل وعجز في الميزانيات جعل المسؤولين عنه يقومون بطلب المساعدة من الأهالي بشكل دوري، ومن خلال تتبع نشاطات المنظمات المدنية والجمعيات الأهلية والمبادرات المحلية والأفراد المغتربين، نجد أن المجتمع المحلي قام بالتبرع بعشرات ملايين الليرات السورية لدعم القطاع التعليمي منذ بداية العام 2024، عدا عما سبق في الأعوام الفائتة.
“الحرب قلصت الدعم الحكومي لقطاع التعليم إلى أقل من 20 % ليصبح مؤخراً شبه معدوم”
مع حلول سنة على بداية النزاع السوري بدأ الدعم الحكومي لقطاع التعليم في سوريا يتراجع تدريجياً حتى قارب حد الانعدام في العامين الأخيرين ليلقي بظلاله على الطلاب وأهاليهم ويضاعف أعباءهم، وبحسب بحث أعدته صحيفة قاسيون المحلية عام 2022، فقد تراجع الإنفاق الحكومي على قطاع التعليم في سوريا من 1,7 مليار دولار في عام 2010 إلى 228 مليون دولار في عام 2022، فيما لاتوجد بعد إحصائيات رسمية للعامين الأخيرين، وذلك أحدث ضرراً كبيراً في البنية التحتية للمدارس وخلل في إتمام العملية التعليمية كما يجب.
منذ أعوام بدأ المجتمع المحلي في محافظة السويداء السعي لتعويض الفاقد التعليمي ومنعه من الانهيار الكامل وجعل العملية التعليمية تسير كما يجب، ودعم المدارس وتزويدها بالمستلزمات التي تنقصها وتقديم المبالغ المالية من قبل الأهالي والمغتربين لصالح دعم القطاع. فظهرت المبادرات المجتمعية والأهلية وامتدت على نطاق واسع لتستفيد منها أجزاء كبيرة من المحافظة.
وكانت مبادرة “لدعم التعليم فقط” التي أطلقها عدد من مغتربي قرية الهيات بريف السويداء الشمالي دعماً لقطاع التعليم المدرسي والجامعي في القرية، ومبادرات دعم الطلاب التي أسهم فيها فريق “لمة محبة” في مدينة شهبا، ليغطي فيها قرى الريف التابع للمدينة، ومبادرات جمعية “أبناء الجبل” في مدينة السويداء والتي اتسعت لتشمل العديد من مناطق المحافظة، ومبادرات عديدة أطلقتها منظمات مدنية وجمعيات خيرية في المحافظة، وقد قمنا سابقاً بالحديث عن بعض مبادرات هذه الفرق.
أما مبادرة “قلم رصاص” التي بدأت جذورها في قرية امتان جنوب المحافظة عام 2016 لتمتد إلى قرى وبلدات أخرى بسبب نجاحها وتلقيها القبول من قبل المجتمع المحلي. فتميزت بسعيها لمعالجة المشاكل الموجودة في المدارس وتأمين المستلزمات الضرورية لهذه المدارس والطلاب وتقديم الدورات المجانية للشهادتين الاعدادية والثانوية في مختلف المواد، بالإضافة لقيامها بتقديم تبرعات لترميم المدارس.
ويعتبر نشاط المبادرة من النشاطات الرائدة في مجاله وأنموذجاً يقتدى به، لذلك حظيت بدعم وتأييد على شكل دعم مادي يقدمه الأهالي والمغتربين و”حسنات الموتى”، في القرى التي تنشط بها وهي (امتان، وسليم وداما وسهوة الخضر).
تقول إحدى الطالبات التي استفادت من المبادرة في حديث للراصد؛ إن مبادرة “قلم رصاص” تعكس مدى تظافر الجهود المجتمعية الإيجابية لجعل العلم هو السلاح الأقوى والركيزة العليا في المجتمع.
وتضيف الطالبة: “لقد تعلمنا من خلال هذه المبادرة كم هو مهم أن تمد يدك وتشارك في بناء الإنسان بجوهره وبعقله”، مردفة: “أشعر بالامتنان الكبير لأبناء قريتي امتان وخصوصاً لأعضاء المبادرة الذين كان لهم دور عظيم في ترسيخ معنى الإنسانية والعطاء من خلال هذه المبادرة الجميلة”.
ومنذ بداية العام الحالي 2024 حتى اليوم فاق مجموع التبرعات التي قدمتها مبادرة قلم رصاص في القرى الأربع المذكورة سابقاً 50 مليون ليرة سورية، توزعت كما يلي: 29,575,000 ليرة سورية في قرية امتان، وفي قرية داما 16,514,000 ليرة سورية، و 5,135,000 ليرة في سليم، و 2,335,000 ليرة في قرية سهوة الخضر.
أحد مؤسسي المبادرة في بلدة سليم “زياد العبد الله” قال للراصد إن المبادرة تشكلت بتعاون بين أبناء البلدة عام 2017 بعد انطلاقتها في قرية امتان جنوب المحافظة بعام، مشيراً إلى أن الهدف الأساسي منها كان تقديم المساعدة لتلاميذ وطلاب القرية.
وأشار العبدالله إلى أن المبادرة لاتزال قائمة، مؤكداً على استمرارها في هدفها لتأمين احتياجات الطلاب، والتي أهمها إقامة الدورات المجانية ومساعدة الطلاب، لافتاً إلى أن هذه المبادرة تشكل تمثيلاً واقعياً لحالة التعاضد المجتمعي، شاكراً كل من ساهم في انتشارها ودوامها من الأهالي والمغتربين والمتطوعين، موضحاً أنها تقدم الفائدة بشتى أنواعها لما يزيد عن 600 طالب.
ويعتبر “العبدالله” أن هذه الخطوة من أفضل الاستثمارات الإنسانية والوطنية، لإنه وبحسب وصفه ليس هنالك رأسمال أفضل من العلم ففيه بناء الأوطان، وباندثاره اندثارها، لذلك يجب أن يحظى دعم التعليم بالمرتبة الأولى.
تقول الناشطة الاعلامية”نوار عزام” في حديث للراصد: إن هذه المبادرات من أهم المبادرات التي أطلقت على ساحة المحافظة لما قدمته وتقدمه، حيث كان لها الدور الفاعل في تخفيف الأعباء المادية على الأهالي. مشيرة إلى أنها في مرحلة دراستها الثانوية كانت إحدى المستفيدات من مبادرة قلم رصاص في قريتها امتان، وأنها ممتنة لفريق المبادرة.
ولفتت “عزام” إلى أن التنظيم والنزاهة والشفافية التي يتمتع فيها فريق المبادرة جعلها محل ثقة للمتبرعين من أبناء القرية والقرى المجاورة التي يستفيد أبناؤها من المبادرة، الأمر الذي أغنى العمل وجعله تجربة رائدة على مستوى المحافظة.
ودعت “عزام” المجتمع المحلي لتبني مثل هذه المبادرات كونها الرافد لأسمى الغايات وهي العلم والمعرفة، كي نستطيع بناء إنسان واعٍ وجيل سيسهم حتماً ببناء وطن معافى.