تقارير

“العزوف عن الزواج” تهديد حقيقي، وواقع صعب!!

“مش طالبين غير السترة”

عبارة يرددها ذوو معظم الفتيات اللاتي تجاوزن السن الذي حدده المجتمع للزواج، لتبدو الفتاة في هذه الحالة ك”حمل” ثقيل على كاهل الأهل، وليتم في العديد من المرات تزويجها لأول شخص يطرق بابها دون الوقوف على حيثيات حياته وظروفه ومستقبلها معه، وغالباً ما يكون هذا العريس في أيامه الأخيرة، فيلجأ للبحث عن فتاة تجاوزت سن اليأس كي لا تنجب له أولاداً، ولتقوم بخدمته آخر أيام حياته.

عقد زواج باطنه وظيفة خادمة أو ممرضة

سناء (إحدى السيدات من ريف السويداء) والتي تجاوزت ال 55 عاماً، بعد أن كانت قد رفضت الزواج راهنةً حياتها للمساعدة في تربية أخوتها وأخواتها الأصغر منها سناً وتزويجهم\ن بعد وفاة والدتها وزواج والدها، وفي النتيجة زبعد أن تقدّم بها العمر أصبحت عبئاً ثقيلاً على مَن ربّتهم، ليتجاهلوا العناية بها، ما أجبرها على الزواج من رجل ثمانيني مُقعد، و رغم إدراكها بأن عقد الزواج هذا ليس إلا وظيفة اجتماعية برتبة ممرضة لعاجزٍ لم يتبقَّ من عمره إلا القليل، وبأنها، بعد انتهاء هذه الوظيفة، ستعود إلى منزل والدها لتقطن في “غرفة المقاطيع”، لكن ما كان يعزيّها أنها ستعيش بضعة أيامٍ بقليل من الرخاء عند ذلك العجوز الغني، وتحصل على قليل من المال الذي سيعينها على قضاء أيامها بعده. “الواقع لم يأتِ على قدر المأمول من ذلك الزواج” تقول سناء وتتابع “لم يمضِ على زواجي أقل من عام حتى توفي زوجي، ليقوم أولاده بإجباري على الإمضاء على التنازل عن ما أوصى لي به من تركَته، وقاموا بتعويضي بمبلغ 800 ألف ليرة”. وبعد شهر من إكمالها العدة، وعن طريق أحد أزواج شقيقاتها، تقدم للزواج بها رجلٌ عاجزٌ آخر من بلدة الشوف في لبنان، ولكن هذه المرة كانت مهمة التمريض -كما وصفتها- شاقة أكثر فالعريس الجديد ضرير ومقعد وأصم، لا يملك من أمره شيئاً، فسعى أبناؤه لتزويجه، وكذلك لم يمضِ عام حتى توفي الرجل تاركاً سناء تحت رحمة أبنائه الذين اشترطوا عليها أن تتنازل عن كامل حقوقها مقابل العودة إلى سوريا، فكان هذا خيارها لإعتقادها أنها ستُعامل معاملة الخادمة لهم ولأولادهم، وهكذا عادت مرة أخرى إلى تلك الغرفة الباردة المظلمة في منزل والدها.

عزوف عن الزواج يفرض نفسه!!

في ظل الوضع الاقتصادي والأمني المتدهور، فرضت الظروف على قسم لا يستهان به من شبان السويداء العزوف عن فكرة الزواج أو تأجيلها “إلى ما شاء الله”، وذلك يهدد بازدياد نسبة الفتيات العازبات. بالإضافة إلى الموافقات والدراسات الأمنية والخدمة الإلزامية في الجيش، والتي تُعتبر من أبرز الأسباب الأمنية التي تشكل عائقاً أمام الزواج، حيث لا يمكن تسجيل الزواج في سجلات السجل المدني دون الحصول على موافقة أمنية، وهذا الأمر دفع كثر إلى اللجوء لعقد القران الديني العرفي، ليقوموا بتثبيت الزواج في المحكمة بعد الشهر الثالث من الحمل عن طريق رفع دعوة قضائية من الزوجة، ولكن بعض اللواتي لم تحملن أو تنجبن ولم تستطعن تثبيت زواجهن عدن إلى منزل ذويهن قبل تثبيت الزواج في المحكمة، ورغم أن هذه الحوادث قليلة إلا أنها جعلت الكثيرين يحجموا عن تزويج بناتهن إلا بعد عقد القران في المحكمة ضماناً لها ولحقوقها، وبالتالي شكل ذلك عائقاً كبيراً أمام الشبان والفتيات، “أحلام” واحدة من تلك الفتيات، تقول للراصد: “تعرفت على زوجي السابق “وسام” خلال عملي في إحدى العيادات الطبية، أحببنا بعضنا واتفقنا على الزواج ووعدني بحياة هانئة وجميلة، وبالفعل وبعد سنة من التعارف تزوجنا وبمباركة أهلي وأهله رغم أننا لم نستطع عقد قراننا في المحكمة المذهبية، لأن ظرف خدمته العسكرية عرقل حصوله على موافقة أمنية” وتردف أحلام: “والدي تعامل معه بطيبة الأب، لم يفرض عليه أي شروط ولا أي طلبات واكتفى بالطلب منه أن يجعلني سعيدة، مرت سنة على زواجنا ولم أحمل، جربنا العلاج، وزرنا أكثر من طبيب دون نتيجة مع التأكيد على أنني لست عاقراً وأستطيع الإنجاب، وبعد إصراري وطلبي منه أن يجري التحليل والفحص لإيجاد العلاج اعتبر ذلك إهانة، ومع المزيد من إصراري كان ينزعج” وتضيف أحلام: “في أحد الأيام اتفقنا أن نذهب إلى منزل أهلي بزيارة لأيام وقبل انتهاء موعد الزيارة تركني معلّلاً بأنه مضطر للذهاب إلى دوامه، وبعد أن غادر بساعتين اتصل بي وطلقني على الهاتف، وهنا المصيبة فأنا مطلقة دون عقد زواج رسمي، ورغم دخول الوساطات لم أستطع إجباره على تسجيل عقد الزواج وحادثة الطلاق في المحكمة”.وتشير أحلام إلى أن قصتها شكلت صدمة عند والدها، الذي بات شرطه الأساسي لزواجها وأخواتها هو عقد المحكمة، وبالتالي تم رفض الكثير من الشبان المتقدمين لخطبة أخواتها نتيجة تعذر تسجيل عقد القران في السجلات الرسمية بسبب الإجراءات “القاسية’، والآن لاتزال وشقيقاتها اللواتي تجاوزن سن الأربعين في منزل والدهن.

قد تكون هذه القصة لحالات فردية لكنها جعلت العديد من الأهالي يحجمون عن تزويج بناتهن إلا بعقد المحكمة، وهذا الأمر الذي يشكل عقبة كبيرة أمام الشبان بسبب التعنت الحكومي في فرض تلك الاجراءات وتعطيل حياة الشبان من الجنسين، هذا التعنت يُعدّ المسؤول الرئيسي عن حالات تأخّر الزواج، إضافة للسبب الآخر المرتبط بالوضع الاقتصادي المتردي.

بيانات و تحليل للوضع

من الواضح أن عدد حالات الزواج في انخفاض كبير وخاصة بين جيل الشباب حيث لا تتعدى 2000 حالة سنوياً في مجتمع يُقدّر عدده بحدود 400 ألف نسمة، ونسبة الإناث فيه أكبر من نسبة الذكور.ويبدو أن الفقر وهجرة الشبان والإجراءات الحكومية المطلوبة وعدم التساهل في الأمور المادية في ظل ظرف اقتصادي صعب، من أبرز الأسباب لهذا التراجع، كما أن الحرب السورية كان لها أثر بالغ في ذلك بمحافظة السويداء.

فيما أشار أحد الأطباء النفسيين و(الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية) إلى أن إضراب الشبان عن الزواج يأتي لأسباب اقتصادية وخوفاً من الوقوع بعجز المعيشة، وأمنية كما أسلفنا سابقاً، ولكن قسم كبير من الفتيات بحسب الطبيب يساهمن أيضاً في الإضراب عن الزواج لأسباب تتعلق بطموحهن بحياة مرفهة مادياً لذلك تكون الخيارات حولهن ليست بمستوى طموحاتهن فتفضلن عدم الزواج، لتشعر من تعيش هذه التجربة بالندم بسبب هذا القرار بعد أن تتقدم في السن، وحينها تقبل حتى بعجوز مسن لتهرب من وصمة “العنوسة”.

وفي حديث للراصد مع مصدر في إدارة السجل المدني، قال إن ما يزيد على 10 طلبات شهرية لشبان لاستصدار وثائق زواج رسمية تأتي مع الرفض أي ما يفوق أحياناً 3500 عدم موافقة سنوياً، لعدة أسباب أبرزها التخلف عن خدمة العلم، وهذا ما يجعل الحكومة عائقاً كبيراً ومسبباً لزيادة أعداد الفتيات اللواتي لم يتزوجن، ويزيد من نسبة الزواج بالطريقة التقليدية غير المسجلة فوراً في المحكمة المذهبية.

برأيكم هل يجب التساهل أكثر مادياً مع العريس؟ وهل يجب تعديل القوانين المفروضة من قبل الحكومة لضمان حق هؤلاء الشبان والشابات بالزواج دون عراقيل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى