“الأسد” يعزل ثلاثة قضاة، العدالة بألف خير!!
فتح إصدار الرئيس “بشار الأسد” يوم الأربعاء 27/مارس مرسومين يقضيان بعزل كل من القضاة “محمد عبد الله بن عبد الله ولمى ماهر البدعيش وسيدرا محمد سليم حنفي”، الباب أمام الحديث عن قضايا يعرفها الجميع ومسكوت عنها بدافع الخوف وعدم الجدوى، فيما جاء في المرسومين أنهما جاءا على خلفية ارتكاب مخالفات وأخطاء قانونية جسيمة.
يتحدث غالبية السوريين عن أن الفساد وعدم الاستقلالية في هذا القطاع بالذات هو ما يجعل البلاد كلها في غابة ولا ينفع معها مرسوم، أو قرار عزل أو غيره.
“كبّر حجره وما ضرب”
محامي في العاصمة دمشق طلب عدم الكشف عن اسمه قال للراصد: (على مين عمتكذبوا؟ ومين بدو يحاسب مين؟ ليش في قضية بالشام بتنحل بدون رشوة؟).
ويضيف: كل المحامون في دمشق يدركون أن أي قضية تخص محاكم الجزاء وبداية الجزاء والمحكمة الاقتصادية ومحكمة الإره*اب وغسل الأموال والقضاء العسكري ومحكمة أمن الدولة، تحتاج إلى رشا.وى حتى لو كان قرار الحكم والفصل فيها واضح وصريح. والمشاهدات في القصر العدلي وهذه المحاكم أكثر من أن تُحصى.
أما باب الفساد والرشاوى يبدأ في تحديد مواعيد الجلسات أو الاستدعاء وأزمنة المثول أمام القضاء في حالة الموقوفين، ثم متابعة الإضبارة في المحكمة وصولاً إلى الكاتب لدى القاضي أو القاضي نفسه.
في حين يقول أحد المحامين المنحدرين من السويداء للراصد “لدينا ثقة كبيرة بعدد كبير من القضاة، ولكن نفقد الثقة شيئاً فشيئاً بالقضاء بسبب المحاولات الدائمة للتأثير على السلطة القضائية ووضع حدود لها، أو تأخير دورها من خلال المماطلة بتحويل المتهمين للقاضي، متابعاً “في ناس كثير بتموت بالسجن وهي حلمها تشوف القاضي””
(شهادات لبعض المواطنين من أبناء السويداء في محاكم العاصمة دمشق)
يقول “نورس. ن” للراصد: أوقفتي جهة أمنية على الحدود السورية أثناء قدومي بعد 5 سنوات من السفر بسبب ادعاء شخصي وحكم غيابي كان قد تم الفصل به وتبرئتي وتعميم قرار كف البحث والذي كنت أملك صورة عنه أثناء توقيفي.
ثم نُقِلت إلى أحد سجون دمشق فدفعت مبلغ كبير مقابل سرير النوم والطعام والدخان ومبلغ آخر للاستحمام وبعد أن خرجت علمت أن أسرتي دفعت مبلغ كبير كي يستدعيني القاضي وكذلك مبالغ متفرقة في القصر العدلي من أجل سير إضبارتي وصولاً لحارس باب سجن القصر وصولاً للكاتب عند القاضي والقاضي نفسه.
ومدة هذا التوقيف 7 أيام ومبلغ يزيد عن 5 مليون ليرة بسبب عدم وصول تعميم كف البحث قبل سنوات إلى النقطة الحدودية.
طبيب الجراحة العامة “مروان” استلم بلاغاً من مركز الشرطة يقضي بضرورة مراجعته للمحكمة الاقتصادية في دمشق، فأسرع إلى معارفه من المحامين والمسؤولين ليتبين إن السبب يعود لوجود اسمه ورقم جواله في هاتف أحد مرضاه المطلوبين بقضايا اقتصادية.
وقبل مثوله إلى المحكمة نصحه الجميع بتوكيل محامي “شاطر” كي لا يستمر توقيفه لفترات طويلة قد تصل أشهر، لحين مثوله أمام القضاء، وتبرئته من أي معرفة أو علاقة مع المطلوب سوى علاقة الطبيب مع مريضه.
يقول الطبيب “مروان” للراصد: قصدت أحد المحامين بمساعدة صديق ذو خبرة، فأشار علي بعد أن استوفي كامل المعلومات، وأن أحضر إلى المحكمة في اليوم التالي وبحوزتي مبلغ 1500$ أمريكي. ومن مبدأ (الكحل أهون من العمى) كنت “مزروعاً” بانتظاره قبل الموعد بساعة، إلى أن حضر واستلم المبلغ، ثم دخل إلى مكتب القاضي وعاد بعد قليل بورقة مثول أمام المحكمة واستجواب وكف بحث موجه لإدارة الأمن الجنائي.
اللافت في الأمر أن المحكمة استدعت جميع الأشخاص المحفوظة أسماءهم في سجل الاتصالات الخاصة بالشخص المطلوب، أما هذا الأخير فقد كان حراً طليقاً يُنهي قضيته “الاقتصادية” بطرق مماثلة.
في حادثة مشابهة استدعيت المواطنة “ن. عزام” للمثول أمام القاضي في “محكمة الإر*هاب وغسل الأموال” بسبب وجود اسمها في جوال لأحد تجار الحوالات.
عزام التي تحدثت للراصد عن قضيتها الجرمية بكثير من المرارة، قالت إنها كانت تستلم حوالات شهرية بقيمة 50 أو 100 $ من ابنها اللاجئ في ألمانيا، وقد ألقت الأجهزة الأمنية القبض على تاجر الحوالات، واستدعت جميع الأسماء المتواجدة على جواله للمثول أمامها.
وقد علمت أن معظم الذين مثلوا أمام القاضي تم توقيفهم بتهم غسل الأموال أو دعم الأعمال الار*هابية، باستثناء الذين “دفعوا” حسب قولها.
وتضيف: “إلى الآن كلفني الأمر مبلغ 8 مليون ليرة ومازال المطلوب مبلغ 3000 دولار قبل مثولي أمام القاضي”.
“نزار” المهاجر منذ 10 سنوات إلى هولندا، استدعته “إدارة الأمن الجنائي” بدمشق بسبب التخابر من رقم جوال كان يملكه قبل سفره مع أحد المتهمين بقضايا تزوير،
وكلف إنهاء هذا الجرم الحاصل بعد سفره، بسنوات مبلغ 1500 دولار من أجل حذف هذا الرقم عن اسمه وتبرئته من أي علاقة مع المطلوب.
أما “سمير” فقد تفاجأ بحكم جنائي مدته 4 سنوات، بسبب تخلفه قبل سنوات عن تسديد أقساط لأحد البنوك، علما إنه قام بتسديد كامل القرض حينها مع الفوائد المترتبة على التأخير بالإضافة لأجور محامي المصرف وأصدر كتاب “كف البحث” وعممه، ليجد اسمه وأسماء الكفلاء بين أسماء محكومين بالسجن مع دفع كامل القرض والفوائد.
المحامي المكلف بالقضية قال للراصد إن هذا الأمر إهمال متعمد من محامي البنك، ولكن لا يمكن إنهاء القضية قبل أن يسلم موكلي والكفلاء إلى الأمن الجنائي، وإلى أن يوافق القاضي على مثولهم أمامه وإطلاق سراحهم ويحتاج الأمر إلى زمن قد يزيد عن الشهر في السجن أو رشوة كبيرة.
أما القضية التي تحولت إلى تريند (داخلي) بين كل العاملين في سلك القضاء فهي قضية لأحد المطلوبين بجرائم قتل وإتجار بالمخدرات، حيث تم نقله عن طريق محامي (شاطر) من سجن صيدنايا إلى عدرا ثم أطلق سراحه بموافقة وزير العدل مقابل مبلغ يزيد عن 250 ألف دولار. وبواسطة من أحد “هوامير” الوطن.
خاتمة ليست خاتمة
هذا كله في سلك القضاء ومساراته المعقدة، والأخطر عندما ندخل في سرديات الجهات الأمنية ودوريات الجمارك والتموين والرقابة وغيرها.. وهنا نعود للسؤال: من يحاسب من؟.