“حسبة بسيطة” الغاز متوفر في الدولة ولكنه غير متوفر للمواطن!!
“أربعة وعشرون ألف ليرة سورية أدفعها ثمناً لاسطوانة الغاز التي تأتي على قائمة المواد التي تطلق عليها الحكومة اسم المواد المدعومة، والتي قد يطول غيابها لأكثر من شهرين، رغم أنها لاتكفي أكثر من خمسة عشر يوماً إذا ما اقتصدنا في استعمالها، حيث أنها خضعت في السنوات الأخيرة لعمليات شفط و تخسيس وزن، وإن حدث وجاءت بوزنها النظامي تأتينا وهي تعاني من انخفاض في الضغط ومصابة بالوذمات الحادة واحتباس السوائل” يتحدث علي حرب للراصد ساخراً من وضع الغاز المنزلي.
يعاني أبناء السويداء كغيرهم من السوريين أزمة في تأمين الغاز المنزلي والتي بدأت تطفو على السطح تدربجياً مع بداية الحرب في سوريا.
في العام 2019 بلغت أزمة الغاز أشدها حيث تأخر موعد الحصول على جرة “مدعومة” على بطاقات معظم المواطنين أكثر من مئة يوم، لتتقلص المدة في السنوات الأخيرة إلى ثمانين يوماً أو أكثر بقليل، وفي الأشهر الماضية وبحسب الإعلام الرسمي وصفحات التواصل الاجتماعي لشركة المحروقات فقد تقلصت المدة إلى خمسة وأربعين يوماً بين الدورة والأخرى للحصول على جرة غاز منزلية.
يقول حرب للراصد: “رغم الخبر السار الذي زفته وسائل الإعلام الحكومية عن تقليص الفترة بين الأسطوانة والأخرى إلا أن الحصول على مخصصات الغاز أصبح أشبه بانتصار من انتصارات حكومتنا الموقرة بالنسبة لزوجتي التي لم توفر أي وسيلة من حطب وكسح وكحول وزيت كاز ومازوت إلا وجربتها لتعد لنا ولائم المجدرة وعصورة الدردار والكشك و العميشة ومشاوي البصل والبطاطا طبعا باستثناء اللحوم التي لاقدرة لنا على شرائها”.
شكاوى كثيرة يتلاقها الراصد عبر بريده حول نقص كمية الغاز في الأسطوانة وأحياناً حول ماتحتويه من ماء، وقد نشر الراصد مراراً مقاطع مصورة تظهر مواطنين يفرغون الأسطوانة من المياه.
الأسطوانة لاتكفي حتى منتصف الشهر
المواطن يتهم المعتمد، والمعتمد يحيلها على مؤسسة التعبئة!!
فيما يلقي مواطنون نقص كمية الغاز في الأسطوانة على المعتمدين ويتهمونهم بإفراغ بعض محتواها من الغاز لتعبئة (الغاز السفري) وإعادة تعبئتها بالماء لتعويض الوزن الناقص، يقول أحد معتمدو الغاز الذي (فضل عدم ذكر اسمه خشبة من حرمانه من اعتماديته في المؤسسة) إن هذه الاتهامات فيها تجنٍّ على المعتمدين، وإن مسألة تعبئة الاسطوانة بالماء ضرب من ضروب الخيال في الوقت الذي تحوي فيه على غاز.
ويوضح المعتمد، إن الماء الموجود في الأسطوانة ليس إلا غاز مسال على طبيعته كما يأتي من المصدر لكن الخلل يكمن في عملية ضغط الأسطوانة بالهواء في مؤسسة التعبئة، حيث أن كمية الهواء المضغوط تكون أقل من اللازم.
وأكد المعتمد قوله بعد قيامه بإفراغ بعض الماء من الأسطوانة على التراب وأشعله لتبقى البقعة مشتعلة لأكثر من خمسة دقائق.
الغاز المدعوم قليل. وفي السوق السوداء (على قفى مين يشيل)!!
في ظل الطلب على المادة التي لايحصل عليها المواطنون عن طريق الدعم إلا بعد مرور شهرين لكل دورة، يستطيع من يمتلك المال أو المضطر في أي لحظة الحصول على أسطوانة غاز من السوق “السوداء” التي توفرها بشكل مستمر ولكن بأسعار تجاوزت المئتين وخمسين ألفاً في حال تبديل الأسطوانة الفارغة بالمليئة بالمادة، وتجاوزت الثمانمائة ألف ليرة للاسطوانة (بحديدها وغازها).
فيما يلجأ مواطنون إلى زيارة محال غير مرخصة وبعض المعتمدين لتعبئة (الغاز السفري) حيث تختلف أسعار التعبئة بين مناطق المحافظة، ففي مدينة السويداء يتراوح ثمن تعبئة كيلو الغاز بين 28 و30 ألف ليرة سورية، فيما يصل في بعض مناطق مدينة شهبا وصلخد مابين 35 و50 ألف ليرة -بحسب شكاوى المواطنين عبر بريد الراصد- ليكون مربح المتاجرين بالمادة أكثر من ثلاثمائة وخمسين ألف ليرة في كل أسطوانة.
حسبة بسيطة!!
تحتل سوريا المرتبة العاشرة من أصل أربعة وعشرين دولة عربية والرابعة والخمسين من أصل إثنين وتسعين دولة على مستوى العالم بانتاج الغاز الطبيعي بمعدل سنوي يقدر بنحو 3285 مليون متر مكعب من الغاز المسيل في السنوات الأخيرة، أي بمعدل 10 مليون متر مكعب يومياً (مايعادل 10 مليار ليتر) أي 300 مليار ليتر شهريا- بحسب تصريحات وزير النفط- لوكالة سبوتنيك الروسية عام 2023.
وإذا ما أخذنا تصريح المدير العام السابق للمؤسسة العامة للكهرباء نصوح سميسمة لوكالة سبوتنيك الروسية عام 2017 والذي قال فيه إن مخصصات وزارة الكهرباء من الغاز قبل الحرب كانت 20 مليون متر مكعب، و15 ألف طن من الفيول.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار تصريح الأخير أيضاً بأن كل 3000 طن فيول يوازي 3 ملايين متر مكعب من الغاز. بالتالي فإن 15 ألف طن من الفيول يوازي 15 مليون متر مكعب من الغاز، أي أن حاجة الوزارة الإجمالية للغاز في حال عدم التقنين والعمل 24 ساعة هي 35 مليون متر مكعب.
وإذا ما أخذنا التصريحات الرسمية بأن حاجة سوريا بكامل مساحتها من الكهرباء المولدة عبر محطات توليد الكهرباء والعنفات المائية كانت قبل الحرب بين 8500 ميغا واط، وتجاهلنا ماتنتجه العنفات فإن كل ميغا واط يحتاج إلى 4117 متر مكعب من الغاز.
ونأتي في الخلاصة إلى آخر تصريحات مسؤولي الوزارة والمؤسسة العامة الذين صرحوا أن إنتاج سوريا من الطاقة الكهربائية مؤخراً كان بين 1700 و 2000 ميغا واط، وعليه ( 2000 ميغا واط × 4117 متر مكعب من الغاز = 8 مليون و234 ألف متر مكعب من الغاز شهرياً) أي (8 مليار و234 مليون ليتر) رغم أن هذا الرقم بحسب تقييم إحدى الصفحات المختصة بالاقتصاد السوري غير منطقي وغير حقيقي وقالت بأن الحاجة إلى الغاز في محطات التوليد في الظرف الراهن أقل بكثير من هذا الرقم ، بالتالي يتبقى (مليار و 766 مليون ليتر من الغاز).
وبحساب بسيط وإن علمنا أن أقصى سعة لأسطوانة الغاز وفق قياس iso المعتمد عالميا 26.5 ليتر، فإن ناتج قسمة الكمية المتبقية من الغاز المنتج شهريا على سعة الأسطوانة الواحدة يساوي 66 مليون و641 ألفاً و509 أسطوانة، وإذا ما قسمنا هذه الأسطوانات على تعداد المواطنين السوريين في الداخل والخارج أي (27 مليون سوري/ة)، فإن حصة كل مواطن/ة بالشهر تكون (أسطوانتان ونصف) أي بمعدل تقريبي (12 أسطوانة للأسرة المتوسطة)، و (بمعدل 9 أسطوانات للأسرة بحال صرفت الحكومة 20 بالمئة من الغاز للقطاع الصناعي الذي يكاد يكون لم يعد موجوداً في سوريا بالأصل).
والسؤال هنا أين يذهب الغاز طالما أن سوريا خرجت من قائمة الدول الموردة له؟!