الإنتحار، حكاية إخفاء أم تجاهل؟!
“إنه عندما يلوّح المرء بالانتحار فليس بالضرورة إنه يرغب في قتل نفسه بل يفعل ذلك كصرخة استغاثة، حيث لا يمتلك هؤلاء الناس رغبة ذاتية في الانتحار قدر ما يريدون إبلاغ معارفهم أن هنالك خطأ ما يجب علاجه”.
تحقيق
قبل منتصف ليل 28 من أيار دخل علينا أحد الأصدقاء وهو يقول: “شو ها؟ ماعاد نخلص، انتحار جديد!!” حصل هذا بعد أن انتشر خبر موت يافعة في السادسة عشر من العمر “بحادث مؤلم”ـ
مصدر طبي نقل لمؤسسات اعلامية إن الحادث الأليم تمثل بطلق ناري في الرأس من مسافة قريبة، فيما نقل مصدر آخر عن الطبيب الشرعي قوله إن الطلق الناري الذي أصاب رأس الضحية (مماسي) أي قريب، وهذا يحتاج لتحقيق دقيق لمعرفة ما إذا كان هناك شك بجريمة قتل، أم انت؛حار؟. لكن أحداً لم يذكر شيئاً عن الضحية غير جملتين متواترتين: (الله يرحمها ويصبر أهلها)، ليستمر الموت مخيماً فوق رؤوس الشباب والشابات بطرق مختلفة أكثرها إيلاماً هو الانت؛حار، واستمر المجتمع بتفادي السؤال عن تعدد الروايات والذي يبدو للكثير من المتابعين “بينهم معد هذا التحقيق” مؤشراً لسر وراء الحادثة.
بينما نتصفح في مواقع التواصل الاجتماعي نجدها تغص بشكل يومي بأخبار الموت والنعوات، حيث تشبه هذه المواقع مقبرة كبيرة تضم كل الأجناس والأعراق والألوان، وتتحول بعد أخبار الموت السريع إلى أخبار عن الراحلين وسيرهم، وكيف كانوا، لكن على الرغم من أنه ليس قلة من المتابعين يثيرون التساؤلات حول بعض الحوادث، ولكن فعلاً قلة هم من يجربون متابعة القضية، ليبدو المجتمع كأنه لا يشك في سبب الموت لشاب أو شابة في مقتبل العمر، ماتوا بحسب عائلاتهم بجلطة قلبية أو استخدام خاطئ للسلاح، أو مرض عضال، وهم في الحقيقة انتحروا/ن لسبب أو دافع أو مشكلة قد تكون بسيطة ولم يستطيعوا /ن إيجاد حل أو يقف معهم /ن أحد، وربما كان وراء الحكاية جريمة قتل “وهذه حكاية أخرى”.
وبحسب ما توصل إليه الراصد من بحث مطول ومتابعات يومية على مدى أشهر، كانت النتائج مرعبة وصادمة واستسهال فاضح للموت وأسبابه ودوافعه بدءاً من المجتمع المحلي، ومروراً بالمشافي والأطباء، وانتهاءً بالشرطة والقضاء.
دور الشرطة والطب الشرعي والقضاء:
لعل من البديهيات القول إن مهمة الشرطة في حالات الاشتباه بالانت؛حار التحقق بأقصى سرعة عن الحالة التي تكون “الشرطة” أو “الضابطة العدلية” الطرف الثاني الذي من المفترض أن يكون قد شاهد وعاين. ومن المفترض كذلك أن تقضي مهمتها الأولى في التحقيق والوصول إلى مكان الحدث حتى لا يتم تغيير معالمه في حال كانت الضحية ما زالت في مكان الواقعة، وبعد ذلك ينبغي انتظار الطبيب الشرعي لتثبيت الواقعة والتصرف على أساسها، كما يحضر القاضي المناوب إلى مكان الواقعة أو إلى المشفى في حال إسعاف الضحية من قبل الأهل، وهو – القاضي- الذي يأمر باتمام إجراءات استلام الجثة من قبل ذويها في حال أنهى التحقيق وكانت الواقعة لا تحتاج للتوسع، بينما يحتاج الطبيب الشرعي لوقت أطول حتى يصدر تقريره.
الطب الشرعي.. تعرف على أنواع الانتحار لتفاديه ومعالجته:
يقول أحد الأطباء الشرعيين في مقابلة خاصة مع الراصد يوم الأربعاء 24 مايو / أيار 2023، إن الأساليب التي يتبعها الأطباء الشرعيون لتحديد سبب الوفاة في حالات الانتحار، والأدلة التي يتم الاعتماد عليها متعددة؛ منها:
1- في حالات الانتحار بالسلاح يعتمد الطب الشرعي على تحديد نوع السلاح ومدى قربه من الضحية (بعيد، قريب، ملاصق). إذا كان بعيد يكون قتل، وإذا كان قريب يكون بين بين، أما الملاصق يكون غالباً انتحار، ويُعطي الطبيب الشرعي تقريره للقاضي على أنه انتحار.
2- .في حالات الانتحار شنقاً يعتمد الطبيب الشرعي على عدة أدلة منها عدم تقييد اليدين، ويكون الجسم معلّق بنقطة ثابتة دون أن يكون مستند على أي سطح تحته، وغالباً ما يكون المُقدِم على الانتحار شنقاً بملابس أنيقة، حسب ما توصل إليه الطب النفسي، وثبته الطب الشرعي.
وحسب ما توصل إليه الراصد فإن حالة واحدة من النساء في السويداء وُجِدت منت؛حرة شنقاً وادعت عائلتها أنها ماتت بالخطأ؟. ورفض الطبيب الشرعي الحديث عنها تبعاً لقسمه كطبيب، لكنه أكد الواقعة على أنها انت؛حار، وأن الضحية كانت ترتدي أجمل ما لديها وكأنها ذاهبة إلى عرس “حسب وصفه، وهي إحدى الحالات التي لم تعلن حسب شهادة الطبيب الشرعي .
بالمقابل وثقت مصادر إعلامية انتحار شابة شنقاً في المدينة الجامعية بدمشق منذ أعوام.
3- في حالات الانت؛حار بالسم غالباً ما يكون المُقدِم أو المقدمة على الانت؛حار مخلفاً رسالة يتم اعتمادها في إثبات الواقعة. وغالباً ما تكون رسالة مكتوبة بعد تفكير كتبرير لها، وهناك ضحايا كتبوا على صفحاتهم الشخصية منشوراً يلمح إلى ذلك في الكتابة عن الموت.
(تابع القصص على قناة الراصد في تلغرام)
4- الانت؛حار حرقاً باستخدام مواد قابلة للاشتعال: “حسب شهادة الطبيب الشرعي” فإنه غالباً تصل الضحية إلى المشفى حية ويتم الجديث معها لمعرفة الدوافع، واستجواب أفراد عائلتها إن كان ذلك انت؛حاراً أم لا، ومن المرجّح أن تبقى على قيد الحياة لأيام وتموت بعدها.
وبناء على هذه الأسباب دائماً ما يعطي الطبيب الشرعي تقريره للقاضي على أنه انت؛حار بنسبة 99% ويبقى 1% لقرار القاضي.
عن الفحص التناسلي والإيكو والتشريح، فكرة الأسباب الموسومة ب”الأخلاقية” تسيطر بلا دليل:
يؤكد الطبيب إن أحد أهم العوامل التي تؤدي إلى عدم الإبلاغ عن حالات الانت؛حار هو العامل الديني، لأنه في حال أقدم مواطن أو مواطنة على الانتحار فإن الجثمان لا يُصلّى عليه، والعامل الثاني هو العامل المجتمعي لأن انتحار النساء خاصة يُعزى في الغالب لأسباب يصفها المجتمع بالأخلاقية، والمجتمع قاسٍ على الضحية في هذه الأمور، وخاصة عندما تصبح الضحية بحاجة لفحص تناسلي وإيكو، ويمكن أن يتطور لتشريح الجثة.
الحالات التي لم يكشف عليها الطب الشرعي:
هناك اعتقاد سائد لدى سكان المحافظة أن غالبية الحالات المشتبه بها بأنها انت؛حار كان يتم تغطيتها من قبل الشرطة والطب الشرعي والقضاة بحكم الواقع المفروض، مثل فوضى السلاح- القرابة – العادات الاجتماعية أو التهديدات. ورغم كل ذلك؛ وبناء على مقابلة الراصد مع الطبيب الشرعي اتضح إن غالبية الحالات التي وصلت إلى المشافي العامة والخاصة، وغالبية الحالات التي وصل إليها في المنازل كان يعاين ويكتب تقريره دون أي اعتبار لأي طرف, فهو واجب مهني أخلاقي لا مجال للمساومة عليه، ويبقى هذا التقرير سرياً متعلق فقط بالطب الشرعي والقضاء.
ويضيف الطبيب إن الحالات التي لم يستطع الطب الشرعي الوصول فيها للضحية كانت بسبب قيام أهل الضحية بأخذ الجثة من المشفى قبل وصول الطبيب الشرعي. وهنا ضرب مثالاً حياً على ذلك؛ وتكرر لعدة مرات خصوصا “حسب قوله” حالات الانتحار التي جرت ضمن مجتمع عشائر البدو الذين يحاولون إخفاء هذا الأمر بسرعة، ولا يلجأون بالعادة لإسعاف الضحية إلى المشفى أو إبلاغ الجهات الرسمية عن الحادثة.
وهذا لا يعني إن باقي المكونات في السويداء لا تتبع نفس الطرق “يكمل الطبيب”، لكن على الغالب تكشف هذه المحاولات إلا إذا قررت العائلة الدفن السريع. (تابع قصة السيدة المطلقة على قناة الراصد في تلغرام(
نيسان 2023 شهر الانتحار:
شهد اليوم الأول من نيسان 2023 موت الشاب الرياضي “ن ف ق” نتيجة “حادث أليم” كما ذكرت عائلته في منشور النعوة، حيث تبين حسب الطبيب الشرعي الذي عاين الوفاة في مشفى شهبا العام أنه توفي نتيجة طلق ناري في الرأس. وما زالت عائلته على يقين بأنه لا يمكن أن يفكر بهذا الأمر لأنه محب للحياة ودائم التفاؤل.
فيما دخلت الشابة “ل” المشفى الحكومي في شهبا يوم الرابع من نيسان 2023 بحالة إسعاف نتيجة تناول كمية كبيرة من الأدوية بحسب مصدر خاص في المشفى الذي قال لـلراصد إن الشابة تم تحويلها إلى مشفى السويداء الحكومي بسرعة لعدم وجود إمكانية للعلاج في شهبا، وبعد حوالي الساعة أعلن وفاتها في السويداء بعد توقف القلب عن العمل،ورصد فريق العمل في الراصد منشورات عديدة خاصة وعامة تنعي الشابة الجامعية بعد وفاتها بسكتة قلبية دون أي تفاصيل عن السبب الرئيسي للموت.
وفي النتيجة فإن التكتم العائلي والسرية ومساعدة وسائل التواصل الاجتماعي في بث سبب الموت دون تحقق؛ طمس الحقيقة، ولاقت الشابة حتفها دون أن يعلم أحد قصتها ودوافعها، والأسباب القاهرة التي جعلتها تقدم على الموت وهي لم تتجاوز العشرين من العمر.
هل من الضروري نبش القبور؟.
سؤال متعدد الجوانب كان يطرحه المقربون من الضحايا كلما حاول فريق التحقيق فتحه، فالضحايا ماتوا ولا سبيل لإرجاعهم وإرجاعهن، ناهيك عن موضوع ما يفترض البعض أنه “وصم وفضيحة” تسببها الحالة لعوائل الضحايا ،مؤكدين إن الموت واحد لكن الأسباب متعددة، ولا يعنيهم إن كان في موت الضحايا رسالة أو عبرة أو نصيحة ممكن أن تنقذ أحد.
مصدر مقرب من “ل” قال لـلراصد إن الفتاة كانت “شعلة” من الحركة والنشاط، ودائمة التفاؤل، ولا وجود لأي سبب يدعها تفكر مجرد تفكير بالانت؛حار، وكل ما طرح عن تناولها لكمية من الدواء هو محض افتراء. فيما أكد قريب آخر للضحية أننا واهمون ونبحث عن الشهرة على حساب الضحايا؟. (المقابلة تمت بعد حادثة الموت بأسبوعين) متجاهلاً تقرير المشفى التي ةصلت إليه الضحية.
بالعودة إلى المصدر في مشفى شهبا؛ فقد أكد مرة أخرى الرواية نفسها عن تناول الفتاة لجرعة كبيرة من الدواء لم يستطع معرفة نوعه بسبب تحويل الشابة إلى مشفى السويداء.
حرموها من أطفالها .. فقررت أن تحرمهم النوم:
وفي اليوم نفسه توفيت السيدة "م ح" القاطنة في إحدى قرى ريف شهبا الغربي بعد يوم من دخولها المشفى العام في السويداء على أثر تسمم دوائي لم تنجو منه رغم المحاولات الطبية التي أنعشتها لساعات فقط. لكن ملاحظتين اثنتين استوقفتا الراصد وأثارتا الشك في وجود قصة وراء موتها؛ أولها عدم العثور على منشورات في موقع الفيسبوك تنعي المرأة، والثاني موقف العزاء الضيق الذي أقامه ذووها على عجل.
وبعد التحري الدقيق للواقعة وجد الفريق من يعرف تفاصيل حياة الضحية التي تبين أنها تبلغ 34 عاماً، وهي مطلقة ومحرومة من رؤية أطفالها، وتعيش وحيدة بجوار أشقائها.
المصدر ذكرت إن “م” كانت ضحية للظلم والقهر والاستبداد العائلي، فلا هي استطاعت نيسان أطفالها لتنطلق من جديد، ولا وجدت من يساعدها للقضاء على وحدتها والاكتئاب الذي سيطر على روحها، فاختارت الطريق الأسهل للانتقام. .
تستر مجتمعي..بدافع الخوف من الفضيحة..فهل الانتحار فضيحة؟ أم التستر جريمة؟.
“كلما تذكرت كلماته قبل أن يقضي بثلاثة أيام، أدركت كم نحن مجرمون بحق أنفسنا وأحبتنا، نفتعل مشاكل لنغطي على عجزنا في علاج المشكلة الأساسية، صرختنا لا نلبث أن نطلقها في وجه فلذات أكبادنا عندما يشعرونا بأننا مقصرون حتى لو لم يقولوها علانية. نتغافل على أن زواج الشباب أمل بات صعب التحقق، وبدل أن نشد عضدهم كأضعف الإيمان، نشكل ثقلاً إضافياً فوق الأثقال التي تجثم على أحلامهم وآمالهم، وفي النهاية لا يبقى إلا ذلك التلميح غير المباشر والاستغاثة التي أطلقوها قبل أن يرحلوا عنا، لتشكل عقاباً أبدياً لن يمحى إلا باعترافنا بالعجز ثم تحديه والبحث عن حلول لتخطيه، ويجب نزع فكرة أن الانت؛حار فضيحة، فإن بقيت لن نفلح في قطع دابر الميول الانت؛حارية، وسنبقى مجرمين بتسترنا على تلك القضايا”.
هذا حديث تم مع صديق أحد الضحايا، ليترك تساؤلاً قد يطرح قضية شائكة، أين يكمن الخلل فعلاً في النتيجة أم في الأسباب؟ وأيهما أحرى بالعلاج؟. (المقابلة بعد وفاة صديقه بيومين .. 3 نيسان)
.
58 % يرفضون مبدأ الإعلان عن حالات الانت؛حار ويعتبرونه وصمة عار وفضيحة اجتماعية؟ .
أجرى فريق الراصد استبياناً استهدف مجموعة عشوائية من الأفراد مراعياً التنوع العمري والجندري وخلص الإستبيان الذي أخذ عينة مجتمعية عدد أفرادها 406 أشخاص من شرائح متعددةبأن مانسبته 58 بالمئة من المجتمع يرفضون رفضاً قاطعاً الإعلان عن حالات الانت؛حار معتبرين أنها ستشكل وصمة عار أو فضيحة مجتمعية وخصوصاً في حالات انت؛حار الاناث. بينما فضل 24 % من الذين أجابوا على الاستبيان عدم إبداء رأيهم معتبرين أن التجربة والوعي المجتمعي هي من تحكم الأمر. بينما اعتبر 18 % أن الإعلان عن الحالة ليست أمراً سهلاً لكنها واجب مفروض،لأن التكتم جريمة تخفي الأسباب وراء الإقدام على الانت؛حار، وإعلان الحالة يساعد في البحث عن الأسباب والسعي لإيجاد حلول للحد من الظاهرة الخطيرة ومنعها..
تحليل الاستبيان
ليس هنالك إحصائيات رسمية دقيقة حول أعداد المنتحرين، وخصوصا في المجتمعات العربية التي تقيده نظرة دينية تعتبر المنتحر كافرا، أو أحاديث اجتماعية قد تلاحق المنتحر إلى قبره لتطال كرامته وكرامة ذويه مايدفع عامة الناس للخوف من هذين الأمرين والتكتم على الحادثة إما بشكل كلي حيث لايتم إبلاغ أي جهة بالوفاة وتدفن الجثة دون معاينة الطب الشرعي والشرطة، أو جزئي حيث يكون لدى الجهات المعنية علم لكنها تشارك بالتكتم لأسباب مهنية أو بضغوط اجتماعية، وبما أن الحصول على إحصائيات رسمية دقيقة هو أمر يكاد يكون استناداً للأسباب المذكورة مستحيلاً لجأ الراصد إلى طرح استبيان من عشرة أسئلة مفرعة و شاملة استطاع من خلالها الحصول موقف المستبينين وتحليلهم لهذه القضية، وبحسب نتائج الاستبيان المذكور وبحسب إجابات العينات المجتمعية بعد جمعها فإن مانسبته 53 بالمئة من المستبيين، يعتقدون إن النسبة العظمى من حالات الانتحار منذ نحو 4 أعوام مضت كانت حوادث انتحار رفض ذووها الإبلاغ أو الإفصاح عنها ولجؤوا للدفن فورا حتى دون إعلام الجهات الرسمية.
أما عن الأسباب التي كانت وراء حالات الانتحار فقد بينت نتائج الاستبيان أن المستبينين يعتقدون أن الفقر والحالة الاقتصادية كانت هي السبب الأول وأن نسبة 40 بالمئة من الذين أقدموا/ن على الانتحار كانت نتيجة الظروف الاقتصادية، فيما يأتي الابتزاز الجنسي أو المالي في المرتبة الثانية بنسبة 38 بالمئة.
فيما تأتي أسباب أخرى مشتركة بين الفقر وتعاطي المخدرات بالمرتبة الثالثة بنسبة 18 بالمئة، يليها الأمراض النفسية والصدمات العاطفية بنسبة 3 بالمئة، وواحد بالمئة تحدث بمسببات أخرى أبرزها التفكك العائلي.
تشير نتائج الاستبيان الذي تم الإجابة على أسئلته من خلال عينات عبر الشبكة وأخرى عبر استقصاء رأي عينات من الشارع جمعها فريق الراصد إلى أن الاعتقاد الرائج عند 51 بالمئة من المستبينين هو أنه أكثر الأساليب التي استخدمها المنتحرون والمنتحرات الذين واللواتي لم يعلن ذويهم عن انتحارهم ، غلب عليها اسلوب الانتحار بالتسمم إما باستخدام العقاقير الطبية أو بتعاطي جرعات كبيرة من مواد مخدرة تم مزجها بالشراب الكحولي أو بتناول مبيدات حشرية ، بينما وجد 39 بالمئة إن الانتحار بالسلاح هو الأسلوب الأسهل خاصة في ظل انتشاره الكبير ونسبة هؤلاء، في حين توزعت آراء العشرة بالمئة البقية حول الانتحار شنقاً أو القفز من مكان مرتفع.
السؤال المختلف والإجابة الصادمة
هل فكرتم/ن بالإنتحار في يوم من الأيام لتأتي الإجابة الصادمة لنسبة 74 منهم وهي نعم، أكثرهم كان سبب ميولهم وميولهن الانتحارية هو سوء الوضع الاقتصادي في حال الرجال والنساء معا ثم الابتزاز زالتعنيف في حالات النساء، وبالرغم من أنهم استطاعوا تجاوز الميول الانتحارية إلا أن ذلك ينبئ بكارثة مجتمعية بالغة الخطورة، ويحدو بالمجتمع للسعي لإيجاد حلول على المديين القريب والبعيد لزيادة الوعي المجتمعي حول خطورة الأمر ووضع خطة متدرجة للعلاج للوقاية من ذلك.
مع ناجية!!
هل حقاً شرف الرجل في النساء اللواتي يقعن تحت سلطته؟
في محافظة السويداء تقاليد وعادات دينية واجتماعية صارمة بعض الشيء، في معظمها تعطي الأفضلية للذكور على حساب الإناث، لذلك فهي بيئة قابلة لنمو التنمر والابتزاز وتسليع الأنثى، إلى جانب أحكام وقوانين تكرس هيمنة الرجل وتساهم مع العادات والتقاليد في غياب دور فاعل للقضاء، وهذا بالمجمل يعزز سيطرة السلطة الأبوية الدينية، مما يستبعد أن تقوم أنثى بتقديم شكوى على والدها أو أخيها أو أي رجل يبتزها بشكل أو بآخر.
وبالتالي قد تجد في الانت؛حار الوسيلة الأفضل من خوض حرب خاسرة ضد أي ذكر ذو سلطة عليها لأن المجتمع مصمم لمصلحة الذكر وتفوقه وارتباطه بالنفوذ والقوة بينما ترتبط الأنثى بالشرف والعار والكرامة.
تقول “سلمى” 21 عام، إحدى الناجيات من الموت بعد محاولة انتحار كادت أن تُنهي حياتها:
“في تلك اللحظة لم أفكر بكلمة الانتحار ولا الحياة.. كنت أفكر بالخلاص فقط.. يخيل إليك أن الموت هو الطريق الوحيد للراحة والحرية والخلاص، الآخرون بمن فيهم العائلة يبدون بعيدين ويشكلون دافعاً أكبر تجاه الفكرة. كلماتهم/ن ولومهم وتأنيبهم/ن حاضر في مسمعك.. الوضع المعيشي الصعب والفقر لم يترك باباً آخر، تتسابق إلى ذاكرتك كل الأفكار السلبية؛ القسوة والتعنيف والاستهزاء والفقر والتمييز لتشكل حلقة مغلقة مركزها الابتزاز، ليصبح الموت في تلك اللحظة رحيماً بالمقارنة مع أي شيء آخر”.
“في ذلك اليوم كان موعدي الآخير لقبولي بشروط زميلي الذي أحببته يوماً، واعتقدت أنه يحبني، وكان يتوجب عليَّ أن أدفع له مبلغاً من المال أو أقنع إحدى صديقاتي بممارسة الجنس معه.
لم أعتقد يوماً أن تلك الصور التي التقطناها في لحظات ظننتها حب، ستولد هذا الحجم من الكره والحقد وتصبح سبباً ليأسي وإكتئابي الدائم وموتي”.
“اتجهت إلى درج والدي حيث أدوية الضغط والقلب ومميعات الدم والمسكنات.. كنت أشعر أن انت؛حاري بأدويته قد يشعره بفداحة الأخطاء التي ارتكبها بحقي، بفداحة الخوف الذي شكله تجاهي.. تناولت جميع أقراص الدواء التي كانت في درجه وعدت إلى سريري، شعرت بنشوة الانتصار للحظات قبل أن تزداد الرجفة والتعرق ويسري الألم في جسمي. شعور بالغثيان والحاجة للاستفراغ ونوبات من المغص الشديد تخطف الصور المتناثرة في ذاكرتي.. حاولت أن أذهب إلى الحمام، ولا أذكر كيف فقدت الوعي، واستيقظت بعد عدة ساعات في المشفى، كانت أمي بجانبي تؤنبني، وأبي يقف على باب الغرفة مقطباً حاجبيه، بينما أخي ينظر إلي بصمت. حتى الطبيب والممرضات الذين أشرفوا/ن على إنعاشي وإجراء غسل المعدة كانوا/ن ينظروا/ن إلي بطريقة ملؤها النفور والتخمين والتوجس، وربما بعض الشفقة والخجل”.
“اليوم وبعد مرور عدة أشهر على الحادثة؛ أنظر إلى كل من حولي وأتساءل: هل حقاً شرف الرجل في النساء اللواتي يقعن تحت سلطته؟ هل كان الموت سيغسل العار الذي أراه بعيون أبي وشقيقي لو لم أقدم على الانت؛حار؟. ولو وصلت الصور إليهما من منهما سيتولى مهمة قت؛لي وما الطريقة؟. كثير ما أشفق عليهما، وكيف يشعران بالخزي والعار من جسدي، ولا يشعران بانتهاك حريتهما وكرامتهما واستضعافهما وتوسلهما للقمة العيش”؟!.
رأي الطب النفسي (مقابلة خاصة مع طبيب نفسي في دمشق جرت خلال شهر نيسان)
في معظم حالات الانت؛حار كان السبب وراء اختيار الموت هو الرغبة بالخلاص والتحرر من الواقع الذي لايمكن احتماله. ونقصد بهذا الواقع الوضع الذي ربما يبدو شخصياً لكنه في الحقيقة أكثر عمومية ويستحق أن نقف عنده قبل أن يفوق العدد قدرتنا على الفهم. فما حدث لضحايا الانت؛حار ربما يحدث للكثيرين /ات يومياً، وغالباً تبدأ قصصهم/ن بالتضييق العائلي والمجتمعي أو بالابتزاز، وتكون النتائج في كليهما الخوف والغضب والقهر والحزن.
فالخوف محرك أساسي للنفس البشرية ولكن ماذا يفعل المجتمع إزاءه؟. حيث يعمقه ويزيد فعاليته؟.
في منظومة متدينة يكون أي اندفاع وراء الغريزة الجسدية أمر مرعب وحالة يجب القضاء عليها بدل احتوائها، هكذا يتاح مجال واسع للابتزاز، لأن نوازع النفس البشرية والاضطرابات العاطفية لا يمكن التحكم بها دائماً ولكن قمعها ليس حلاً.
فنجد أنفسنا عاجزين ويائسين تماماً ولا نملك خياراً إلا الموت كوسيلة للنجاة من المجتمع وأحكامه وكوسيلة للانتقام من المجتمع وواقعه..
ويضيف الطبيب؛ غالباً يكون المقدمون على فعل الانتحار مشخصون سابقاً بأحد أنواع الاكتئاب ومنهم مصابون باضطراب صدمة أو قلق مزمن، تترافق كل هذه الحالات مع فقدان الدوافع والرغبة في الحياة ومع الشعور باللامعنى واللاجدوى ويمكنني أن أقول أن معظم حالات الانتحار التي عرفتها كانت مصحوبة برض عاطفي بالغ مترافق مع ضغط وخوف يجعل المريض غير قادر حتى على تصديق إمكانية وجود حل، وبكل تأكيد لايولد الأشخاص مصابون بأمراض الاكتئاب بل يوجد بيئة اجتماعية هيأت للحالة المرضية وساهمت في الإقدام على الإنتحار. فالمجتمعات المغلقة تُعد حاضنة هامة لهذه الأمراض والتعصب سبب أساسي لخلق الخوف الذي قد يؤدي للانت؛حار.
أما العلاج فيتوقف على دور العائلة والأصدقاء، بالإضافة الى العلاج النفسي الضروري في هذه الحالات.
فالخوف محرك أساسي للنفس البشرية ولكن ماذا يفعل المجتمع؟حيث يعمقه ويزيد فعاليته؟.
الأدوية كالأسلحة، يجب تنظيم عمليات بيعها:
أجرى الراصد مقابلة مع صيدلي للحديث حول موضوع التحقيق ، ليكون رأي الصيدلي بأن “كل الأدوية التي نتناولها للعلاج تتحول في لحظة ما الى سم قاتل، فالكميات العلاجية التي يُسمح بتناولها يوميا وفق تشخيص الطبيب لا تتجاوز ال6000 ميلغرام خلال ال24 ساعة، فاذا ماتضاعفت هذه الَكمية وأستخدمت دفعة واحدة تؤدي الى درجات من حالات التسمم بعضها خطير إذا لم يتم معالجتها خلال فترة زمنية قصيرة وبعضها يتحمل المصاب من 2-3 ساعات قبل العلاج، وهذه تخضع لنوع وكمية الدواء وبنية الجسم المصاب.
وفي كلا الحالات يشعر المصاب بإزدياد بخفقان القلب وضغط الدم وإرتفاع بحرارة الجسم والتعرق بالإضافة بالدوران والحاجة للإقياء ونوبات من الألم في المعدة والامعاء. تؤدي مجتمعة لفقدان الوعي تدريجيا والإغماء.
ويصبح المصاب بحاجة ماسة لسيرومات الماء الملحي ومضادات الإلتهاب.
ويضيف الصيدلي؛ كثيرا ما يلجأ الأهالي الى الطبيب أو الصيدلي في علاج بعض حالات التسمم الدوائي بعيدا عن المشافي العامة والخاصة وخوفا من إنتشار الخبر بين الناس والتحقيق لدى دوائر الشرطة، وغالبا ما فرض الأهل على الطبيب او الصيدلي القيام بالإسعافات الأولية للمصاب وطلب منه التكتم عن الحالة “
في المقابل ماذا عن الانتحار لإخفاء جرائم قتل؟
من نتائج البحث التي صادفت فريق التحقيق، عند الاطلاع على عدد من الحالات التي صُنفت مجتمعياً وإعلامياً أنها انت؛حار، وطويت صفحتها على هذا الأساس، كانت الشكوك الكبيرة تقضي التحقيق الموسع من قبل القضاء كي لا يفلت الفاعلون بجرائمهم، وتذهب دماء الضحايا سدى.
ولاحظ الفريق أن أهالي الضحايا لم يكن عندهم مشكلة اجتماعية في عدم الصلاة على الجنازة، أوما يعتبر وصماً أو فضيحة ، لإخفاء القتل (العمد أو عن غير قصد)، وكانت النية في عدم دخول أحد أفراد العائلة السجن.
ومن الحالات التي اقتصرت على تحقيقات روتينية فقط؛ حوادث مشهورة لفتاتين في بداية العشرينات من العمر، واحدة تم رميها من الطابق الثالث، وأخرى بسلاح ناري في منزلها العام الماضي.”ويبقى هذا بحثاً مهماً للغاية ويستوجب الخوض به منفصلاً، وغالباً ما تكون ضحاياه من الفتيات”
“إنه عندما يلوّح المرء بالانتحار فليس بالضرورة إنه يرغب في قتل نفسه بل يفعل ذلك كصرخة استغاثة. حيث لا يمتلك هؤلاء الناس رغبة ذاتية في الانت؛حار قدر ما يريدون إبلاغ معارفهم أن هنالك خطأ ما يجب علاجه”.
ينم مجرد التفكير بالانتحارعن مضامين خطيرة بالغة العمق في نفس من يحمل هذه الميول، خاصة أنها نتاج تراكمات وليست وليدة اللحظة. يقول البروفيسور “أليكس ليكرمان” أحد أهم أساتذة الطب النفسي في أمريكيا: “إنه عندما يلوّح المرء بالانت؛حار فليس بالضرورة إنه يرغب في قتل نفسه بل يفعل ذلك كصرخة استغاثة. حيث لا يمتلك هؤلاء الناس رغبة ذاتية في الانتحار قدر ما يريدون إبلاغ معارفهم أن هنالك خطأ ما يجب علاجه”.
ولعلاج ظاهرة الانتحار يوصي مختصون بالتقرب من حاملي الميول الانت؛حارية وحثهم على الحديث عن مشاعرهم وما يقلقهم، وذلك يكون البداية للحل لثنيهم عن أي خطوة نحو الهاوية.
كما يوصي المختصون من تراوده ميول انت؛حارية باللجوء للمختصين بالعلاج النفسي، أو الإفضاء إلى أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء فليس هنالك ماليس له حل.
كما يرون أن هنالك ضرورة لإطلاق “خطوط ساخنة” تختص بهذه المواضيع، وتقدم استشارات نفسية، و إقامة فعاليات وحملات هدفها التخلص من الوصمة السلبية المتعلقة بالصحة النفسية والتشجيع على طلب مساعدة المختصين. وللتوعية حول مخاطر التكتم على حوادث الانت؛حار.
كما أن أكثر الأمور أهمية هو العمل على تقييد الوصول إلى أدوات الانتحار بمختلف أشكالها.
المقال شامل ومهم